أي : يصوركم في الأرحام قادرا على تصويركم مالكا ذلك. وقيل : التقدير في هذه الحال : يصوركم على مشيئته ، أي مريدا ، فيكون حالا من ضمير اسم الله ، ذكره أبو البقاء ، وجوّز أن يكون حالا من المفعول ، أي : يصوركم منقلبين على مشيئته.
وقال الحوفي : يجوز أن تكون الجملة في موضع المصدر ، المعنى : يصوركم في الأرحام تصوير المشيئة ، وكما يشاء.
(لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) كرر هذه الجملة الدالة على نفي الإلهية عن غيره تعالى ، وانحصارها فيه ، توكيدا لما قبلها من قوله (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ) وردا على من ادعى إلهية عيسى ، وناسب مجيئها بعد الوصفين السابقين من العلم والقدرة ، إذ من هذان الوصفان له ، هو المتصف بالإلهية لا غيره ، ثم أتى بوصف العزة الدالة على عدم النظير ، والحكمة الموجبة لتصوير الأشياء على الإتقان التام.
(هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتابِ وَأُخَرُ مُتَشابِهاتٌ) مناسبة هذا لما قبله أنه : لما ذكر تعديل البنية وتصويرها على ما يشاء من الأشكال الحسنة ، وهذا أمر جسماني ، استطرد إلى العلم ، وهو أمر روحاني. وكان قد جرى لوفد نجران أن من شبههم قوله (وَرُوحٌ مِنْهُ) (١) فبيّن أن القرآن منه محكم العبارة قد صينت من الاحتمال ، ومنه متشابه ، وهو ما احتمل وجوها.
ونذكر أقاويل المفسرين في المحكم والمتشابه.
وقد جاء وصف القرآن بأن آياته محكمة ، بمعنى كونه كاملا ، ولفظه أفصح ، ومعناه أصح ، لا يساويه في هذين الوصفين كلام ، وجاء وصفه بالتشابه بقوله : (كِتاباً مُتَشابِهاً) (٢) معناه يشبه بعضه بعضا في الجنس والتصديق. وأما هنا فالتشابه ما احتمل وعجز الذهن عن التمييز بينهما ، نحو : (إِنَّ الْبَقَرَ تَشابَهَ عَلَيْنا) (٣) (وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً) (٤) أي : مختلف الطعوم متفق المنظر ، ومنه : اشتبه الأمران ، إذا لم يفرق بينهما. ويقال لأصحاب المخاريق : أصحاب الشبه ، وتقول : الكلمة الموضوعة لمعنى لا يحتمل غيره نص ، أو يحتمل راجحا أحد الاحتمالين على الآخر ، فبالنسبة إلى الراجح ظاهر ، وإلى المرجوح
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٧١ والمجادلة : ٥٨ / ٢٢.
(٢) سورة الزمر : ٣٩ / ٢٣.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٧٠.
(٤) سورة البقرة : ٢ / ٢٥.