(وَلا تُؤْمِنُوا إِلَّا لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ) اللام في : لمن ، قيل : زائدة للتأكيد ، كقوله (عَسى أَنْ يَكُونَ رَدِفَ لَكُمْ) (١) أي ردفكم ، وقال الشاعر :
ما كنت أخدع للخليل بحله |
|
حتى يكون لي الخليل خدوعا |
أراد : ما كنت أخدع الخليل ، والأجود أن لا تكون : اللام ، زائدة بل ضمن ، آمن معنى : أقر واعترف ، فعدى باللام. وقال أبو علي : وقد تعدّى آمن باللام في قوله (فَما آمَنَ لِمُوسى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ) (٢) و (آمَنْتُمْ لَهُ) (٣) و (يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ) (٤) انتهى. والأجود ما ذكرناه من جملة قول طائفة اليهود ، لأنه معطوف على كلامهم ، ولذلك قال ابن عطية : لا خلاف بين أهل التأويل أن هذا القول من كلام الطائفة. انتهى. وليس كذلك ، بل من المفسرين من ذهب إلى أن ذلك من كلام الله ، يثبت به قلوب المؤمنين لئلا يشكوا عند تلبيس اليهود وتزويرهم ، فأما إذا كان من كلام طائفة اليهود ، فالظاهر أنه انقطع كلامهم إذ لا خلاف ، ولا شك أن قوله : (قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللهِ) من كلام الله مخاطبا لنبيه صلىاللهعليهوسلم ، وما بعده يظهر أنه من كلام الله ، وأنه من جملة قوله لنبيه وأن يؤتى مفعول من أجله ، وتقدير الكلام : قل يا محمد لأولئك اليهود الذين قالوا : إن الهدى هدى الله ، لا ما رمتم من الخداع بتلك المقالة ، وذاك الفعل ، لمخافة (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ) قلتم ذلك القول ودبرتم تلك المكيدة ، أي : فعلتم ذلك حسدا وخوفا من أن تذهب رئاستكم ، ويشارككم أحد فيما أوتيتم من فضل العلم ، أو يحاجوكم عند ربكم ، أي : يقيمون الحجة عليكم عند الله إذا كتابكم طافح ، بنبوّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وملزم لكم أن تؤمنوا به وتتبعوه ، ويؤيد هذا المعنى قوله : (قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ) إلى آخره ، ويؤيد هذا المعنى أيضا قراءة ابن كثير أن يؤتى على الاستفهام الذي معناه الإنكار عليهم والتقرير والتوبيخ والاستفهام الذي معناه الإنكار هو مثبت من حيث المعنى ، أي المخافة أن يؤتى أحد مثل ما أوتيتم؟ أو يحاجوكم عند ربكم قلتم ذلك وفعلتموه؟ ويكون : أو يحاجوكم ، معطوفا على : يؤتى ، وأو : للتنويع ، وأجازوا أن يكون : هدى الله ، بدلا من : الهدى. لا خبرا لأن. والخبر قوله : (أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ) أي أن هدى الله إيتاء أحد مثل ما أوتيتم من العلم ، ويكون : أو يحاجوكم ، منصوبا بإضمار : أن ، بعد أو بمعنى :
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٧٢.
(٢) سورة يونس : ١٠ / ٨٣.
(٣) سورة طه : ٢٠ / ٧١ ، والشعراء : ٢٦ / ٤٩.
(٤) سورة التوبة : ٩ / ٦١.