وفي هذه الآية دلالة على أن المخاطبين كانوا مسلمين ، ودلالة على أن الكفر ملة واحدة إذ الذين اتخذوا الملائكة أربابا هم الصابئة وعبدة الأوثان ، والذين اتخذوا النبيين أربابا هم اليهود والنصارى والمجوس ، ومع هذا الاختلاف سمى الله الجميع : كفرا. و : بعد ، ينتصب بالكفر ، أو : بيأمركم ، و : إذ ، مضافة للجملة الاسمية كقوله : (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ) (١) وأضيف إليها : بعد ، ولا يضاف إليها إلّا ظرف زمان.
وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلى ذلِكُمْ إِصْرِي قالُوا أَقْرَرْنا قالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ (٨١)
(وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِما مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ) مناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى : لما نفى عن أهل الكتاب قبائح أقوالهم وأفعالهم ، وكان مما ذكر أخيرا اشتراءهم بآيات الله ثمنا قليلا ، وما يؤول أمرهم إليه في الآخرة ، وان منهم من بدل في كتابه وغير ، وصف رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونزه رسوله عن الأمر بأن يعبد هو أو غيره ، بل تفرّد الله تعالى بالعبادة ، أخذ تعالى يقيم الحجة على أهل الكتاب وغيرهم ممن أنكر نبوّته ودينه ، فذكر أخذ الميثاق على أنبيائهم بالإيمان برسول الله صلىاللهعليهوسلم ، والتصديق له ، والقيام بنصرته ، وإقرارهم بذلك ، وشهادتهم على أنفسهم ، وشهادته تعالى عليهم بذلك ، وهذا العهد مذكور في كتبهم وشاهد بذلك أنبياؤهم.
وقرأ أبي ، وعبد الله : ميثاق الذي أوتوا الكتاب ، بدل : النبيين ، وكذا هو في مصحفيهما. وروي عن مجاهد أنه قال : هكذا هو القرآن ، وإثبات النبيين خطأ من الكاتب ، وهذا لا يصح عنه لأن الرواة الثقات نقلوا عنه أنه قرأ : النبيين ، كعبد الله بن كثير وغيره ، وإن صح ذلك عن غيره فهو خطأ مردود بإجماع الصحابة على مصحف عثمان.
والخطاب بقوله : وإذ أخذ ، يجوز أن يكون للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أمره أن يذكر أهل الكتاب بما هو في كتبهم من أخذ الميثاق على النبيين ، ويجوز أن يتوجه إلى أهل الكتاب أمروا أن يذكروا ذلك ، وعلى هذين التقديرين يكون العامل : أذكر ، أو : أذكروا ، ويجوز أن يكون العامل في : إذ ، قال من قوله : (قالَ أَأَقْرَرْتُمْ) وهو حسن ، إذ لا تكلف فيه.
__________________
(١) سورة الأنفال : ٨ / ٢٦.