قيل : ويجوز أن يكون معطوفا على ما تقدم من لفظ إذ ، والعامل فيها : اصطفى ، وهذا بعيد جدا.
وظاهر الكلام يدل على أن الله هو الآخذ ميثاق النبيين. فروي عن عليّ ، وابن عباس ، وطاووس ، والحسن ، والسدّي : أن الذين أخذ ميثاقهم هم الأنبياء دون أممهم ، أخذ عليهم أن يصدّق بعضهم بعضا ، وأن ينصر بعضهم بعضا ، ونصرة كل نبي لمن بعده توصية من آمن به أن ينصره إذا أدرك زمانه. وينبو عن هذا المعنى لفظ : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) إلى آخر الكلام.
وقال ابن عباس أيضا فيما روي عنه : أخذ ميثاق النبيين وأممهم على الأيمان بمحمد صلىاللهعليهوسلم ونصره ، واجتزأ بذكر النبيين من ذكر أممها لأن الأمم أتباع للأنبياء ، ويدل عليه قول عليّ كرّم الله وجهه : ما بعث الله نبيا إلّا أخذ عليه العهد في محمد صلىاللهعليهوسلم ، وأمره بأخذ العهد على قومه فيه بأن يؤمنوا به وينصروه إن أدركوا زمانه. وروي عن ابن عباس أيضا : أنه تعالى لما أخرج ذرية آدم من صلبه أخذ الميثاق على جميع المرسلين أن يقروا بمحمد صلىاللهعليهوسلم. وعلى هذين القولين يكون قوله : (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) عنى به واحد وهو محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولا يكون جنسا. ويبعد قول ابن عباس : أن الميثاق كان حين أخرجهم من ظهر آدم كالذر.
قرأ حمزة : لما آتيناكم ، لأن الظاهر أن ذلك كان بعد إيتاء الكتاب والحكمة. و : ميثاق ، مضاف إلى النبيين ، فيحتمل أن يكون النبيون هم الموثقون للعهد على أممهم ، ويحتمل أن يكونوا هم الموثق عليهم ، والذي يدل عليه ما قبل الآية من قوله : (ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ) (١) الآية وما بعدها من قوله : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً) (٢) أن المراد بقوله (ثُمَّ جاءَكُمْ رَسُولٌ) هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولذلك جاء مصدقا لما معكم. وكثيرا ما وصف بهذا الوصف في القرآن رسولنا محمد صلىاللهعليهوسلم ، ألا ترى إلى قوله (وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ) (٣)؟ وكذلك وصف كتابه بأنه مصدق لما في كتبهم ، وإذا تقرر هذا كان المجاز في صدر الآية فيكون على حذف مضاف أي : وإذ أخذ الله ميثاق أتباع النبيين من أهل الكتاب ، أو ميثاق أولاد النبيين ، فيوافق صدر الآية ما بعدها ، وجعل ذلك
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ٧٩.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ٨٥.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ١٠١.