بعد إيمان وازداد كفرا ، أم كان كافرا أول مرة. فاحتيج في ذلك إلى تخصيص ، فقال الحسن ، وقتادة ، ومجاهد ، والسدي : نفي توبتهم مختص بالحشرجة والغرغرة والمعاينة. قال النحاس : وهذا قول حسن ، كقوله : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ) (١) الآية. وقال أبو العالية : لن تقبل توبتهم من الذنوب التي أصابوها مع إقامتهم على الكفر بمحمد صلىاللهعليهوسلم. وقال ابن عباس : لن تقبل توبتهم لأنها توبة غير خالصة ، إذ هم مرتدون ، وعزموا على إظهار التوبة لستر أحوالهم وفي ضمائرهم الكفر. وقال مجاهد : لن تقبل توبتهم بعد الموت إذا ماتوا على الكفر. وقيل : لن تقبل توبتهم التي تابوها قبل أن كفروا ، لأن الكفر قد أحبطها. وقيل : لن تقبل توبتهم إذا تابوا من كفر إلى كفر ، وإنما تقبل إذا تابوا إلى الإسلام. وفاصل هذا التخصيص أنه تخصيص بالزمان ، أو بوصف في التوبة.
والوجه الثاني : أن يكون المعنى : لا توبة لهم فتقبل ، فنفى القبول ، والمراد نفي التوبة فيكون من باب قوله.
على لا حب لا يهتدى لمناره
أي : لا منار له فيهتدى به ، ويكون ذلك في قوم بأعيانهم ، حتم الله عليهم بالكفر أي : ليست لهم توبة فهم لا محالة يموتون على الكفر. وقد أشار إلى هذا المعنى الزمخشري ، وابن عطية.
ولم تدخل : الفاء ، في : لن تقبل ، هنا ، ودخلت في : فلن تقبل ، لأن الفاء مؤذنة بالاستحقاق بالوصف السابق ، وهناك قال : وماتوا وهم كفار وهنا لم يصرح بهذا القيد.
وقال الزمخشري : فإن قلت فحين كان معنى : (لَنْ تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ) بمعنى الموت على الكفر فهلا جعل الموت على الكفر مسببا عن ارتدادهم وازديادهم الكفر لما في ذلك من قساوة القلوب ، وركوب الرين ، وجره إلى الموت على الكفر؟.
قلت : لأنه : كم من مرتد ازداد الكفر يرجع إلى الإسلام ولا يموت على الكفر؟.
فإن قلت : فأي فائدة في هذه الكناية : أعني : إن كنى عن الموت على الكفر بامتناع قبول التوبة؟.
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٨.