الحذاق قوله : لك الحمد ملء السموات والأرض بالرفع على الصفة للحمد ، واستضعفوا نصبه على الحال لكونه معرفة.
(وَلَوِ افْتَدى بِهِ) قرأ ابن أبي عبلة : لو افتدى به ، دون واو ، و : لو ، هنا هي بمعنى : إن ، الشرطية لا : لو ، التي هي لما كان سيقع لوقوع غيره ، لأن : لو ، هنا معلقة بالمستقبل ، وهو : فلن يقبل ، وتلك معلقة بالماضي. فأما قراءة ابن أبي عبلة فإنه جعل الافتداء شرطا في عدم القبول فلم يتعمم نفي وجود القبول ، وأما قراءة الجمهور بالواو ، فقيل : الواو زائدة ، وهو ضعيف ، ويكون المعنى إذ ذاك معنى قراءة ابن أبي عبلة. وقيل : ليست بزائدة.
قال الزمخشري : فإن قلت : كيف موقع قوله (لَوِ افْتَدى بِهِ)؟ قلت : هو كلام محمول على المعنى ، كأنه قيل : فلن يقبل من أحدهم فدية ولو افتدى بملء الأرض ذهبا. انتهى. وهذا المعنى ينبو عنه هذا التركيب ولا يحتمله ، والذي يقتضيه هذا التركيب ، وينبغي أن يحمل عليه ، أن الله تعالى أخبر أن من مات كافرا لا يقبل منه ما يملأ الأرض من ذهب على كل حال يقصدها ، ولو في حالة الافتداء به من العذاب ، لأن حالة الافتداء هي حال لا يمتن فيها المفتدي على المفتدى منه ، إذ هي حالة قهر من المفتدى منه للمفتدي ، وقد قررنا في نحو هذا التركيب أن : لو ، تأتي منبهة على أن ما قبلها جاء على سبيل الاستقصاء ، وما بعدها جاء تنصيصا على الحالة التي يظن أنها لا تندرج فيما قبلها ، كقوله : «أعطوا السائل ولو جاء على فرس وردوا السائل ولو بظلف محرق» كأن هذه الأشياء مما كان لا ينبغي أن يؤتى بها ، لأن كون السائل على فرس يشعر بغناه فلا يناسب أن يعطى ، وكذلك الظلف المحرق لا غنى فيه ، فكأن يناسب أن لا يرد السائل به ، وكذلك حالة الفداء : يناسب أن يقبل منه ملء الأرض ذهبا ، لكنه لا يقبل. ونظيره قوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنا وَلَوْ كُنَّا صادِقِينَ) (١) لأنهم نفوا أن يصدقهم على كل حال ، حتى في حالة صدقهم ، وهي الحالة التي ينبغي أن يصدقوا فيها. فلفظ : ولو ، هنا لتعميم النفي والتأكيد له. وقد ذكرنا فائدة مجيئها.
وذهب الزجاج إلى أن المعنى : لن يقبل من أحدهم إنفاقه وتقرباته في الدنيا ، ولو أنفق ملء الأرض ذهبا ، ولو افتدى أيضا به في الآخرة لم يقبل منه. قال : فأعلم الله أنه
__________________
(١) سورة يوسف : ١٢ / ١٧.