لا يثيبهم على أعمالهم من الخير ، ولا يقبل منهم الافتداء من العذاب. قال ابن عطية : وهذا قول حسن. انتهى.
وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد : فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا كان قد تصدّق به ، ولو افتدى به أيضا لم يقبل منه. انتهى. وهذا معنى قول الزجاج ، إلّا أنه لم يقيد الافتداء بالآخرة.
وحكى صاحب (ري الظمآن) وغيره عن الزجاج أنه قال : معنى الآية : لو افتدى به في الدنيا مع إقامته على الكفر لن يقبل منه ، والذي يظهر أن انتفاء القبول ، ولو على سبيل الفدية ، إنما يكون ذلك في الآخرة. وبينه ما ثبت في (صحيح) البخاري من حديث أنس : أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «يحاسب الكافر يوم القيامة ، فيقال له : أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول : نعم ، فيقال له : قد كنت سئلت أيسر من ذلك». وهذا الحديث يبين أن قوله : (فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدى بِهِ) هو على سبيل الفرض والتقدير أي : لو أن الكافر قدر على أعز الأشياء ، ثم قدر على بذله ، لعجز أن يتوسل بذلك إلى تخليص نفسه من عذاب الله. والمعنى : أنهم آيسون من تخليص أنفسهم من العذاب. فهو نظير (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً) (١) ونظير (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي) (٢) الآيتين ، وعلى هذا يبعد ما قاله الزجاج من أن يكون المعنى : أنهم لو أنفقوا في الدنيا ملء الأرض ذهبا لم يقبل ذلك ، لأن الطاعة مع الكفر لا تكون مقبولة.
وافتدى : افتعل من الفدية. قيل : وهو بمعنى فعل ، كشوى واشتوى ، ومفعوله محذوف ، ويحتاج في تعدية افتدى إلى سماع من العرب ، والضمير في : به ، عائد على : ملء الأرض ، وهو : مقدار ما يملؤها ، ويوجد في بعض التفاسير أنه عائد على : الملء ، أو : على الذهب. فقيل : على الذهب غلط.
وقال الزمخشري : ويجوز أن يراد : ولو افتدى بمثله ، لقوله : (وَلَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ) (٣) والمثل يحذف كثيرا في كلامهم ، كقولك : ضربت ضرب زيد ، تريد : مثل ضربه وأبو يوسف أبو حنيفة ، تريد : مثله.
ولا هيثم الليلة للمطي
__________________
(٣ ـ ١) سورة الزمر : ٣٩ / ٤٧.
(٢) سورة المعارج : ٧٠ / ١١.