على نظير هذه الجملة في سورة البقرة تفسيرا وإعرابا فأغنى عن إعادته. وقرأ أبان بن ثعلب قل صدق : بإدغام اللام في الصاد ، و «قل سيروا» (١) بإدغام اللام في السين. وأدغم حمزة والكسائي وهشام «بل سولت» (٢). قال ابن جني : علة ذلك فشوّ هذين الحرفين في الفم وانتشار الصوت المثبت عنهما ، فقاربتا بذلك مخرج اللام ، فجاز إدغامها فيهما انتهى. وهو راجع لمعنى كلام سيبويه ، قال سيبويه : والإدغام يعني إدغام اللام مع الطاء والصاد وأخواتهما جائز ، وليس ككثرته مع الراء ، لأن هذه الحروف تراخين عنها وهي من الثنايا. قال : وجواز الإدغام لأنّ آخر مخرج اللام قريب من مخرجها انتهى كلامه.
(إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ) روي عن مجاهد : أنه تفاخر المسلمون واليهود فقالت اليهود : بيت المقدس أفضل وأعظم من الكعبة ، لأنّها مهاجر الأنبياء ، وفي الأرض المقدسة. وقال المسلمون : بل الكعبة أفضل ، فنزلت. ومناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة وهو : أنه لما أمر تعالى باتباع ملة إبراهيم وكان حج البيت من أعظم شعائر ملة إبراهيم ومن خصوصيات دينه ، أخذ في ذكر البيت وفضائله ليبني الحج ووجوبه. وأيضا فإنّ اليهود حين حولت القبلة إلى الكعبة طعنوا في نبوّة رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقالوا : بيت المقدس أفضل وأحق بالاستقبال لأنه وضع قبل الكعبة ، وهو أرض المحشر ، وقبلة جميع الأنبياء ، فأكذبهم الله في ذلك بقوله : «إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة» كما أكذبهم في دعواهم قبل : إنما حرم عليهم ما كان محرما على يعقوب من قبل أن تنزل التوراة ، وأيضا فإنّ كل فرقة من اليهود والنصارى زعمت أنها على ملة إبراهيم ، ومن شعائر ملته حجّ الكعبة وهم لا يحجونها ، فأكذبهم الله في دعواهم تلك ، والأول هو الفرد السابق غيره. وتقدم الكلام على لفظ أول في قوله : «ولا تكونوا أول كافر به» (٣) ووضع جملة في موضع الصفة. واختلف في معنى كونه أول بيت وضع للناس. فقيل : هو أول بيت ظهر على وجه الماء حين خلقت السموات والأرض ، خلقه قبل الأرض بألفي عام ، وكان زبدة بيضاء على الماء فدحيت الأرض تحته. وقيل : هو أول بيت بناه آدم في الأرض. وقيل : لما أهبط آدم قالت له الملائكة : طف حول هذا البيت فلقد طفنا قبلك بألفي عام ، وكان في موضعه قبل آدم بيت يقال له : الضراح ، فرفع في الطوفان إلى السماء الرابعة يطوف به ملائكة السموات.
__________________
(١) سورة الأنعام ٦ / ١٢٠ ، وسورة العنكبوت : ٢٩ / ٢٠.
(٢) سورة يوسف : ١٢ / ١٨.
(٣) سورة البقرة : ٢ / ٤١.