(مُبارَكاً وَهُدىً لِلْعالَمِينَ) أمّا بركته فلما يحصل فيه من الثواب وتكفير السيئات لمن حجه واعتمره وطاف به وعكف عنده. وقال القفال : يجوز أن تكون بركته ما ذكر في قوله : «يجبى إليه ثمرات كل شيء» (١). وقيل : بركته دوام العبادة فيه ولزومها ، لأنّ البركة لها معنيان : أحدهما : النمو ، والآخر : الثبوت ، ومنه البركة لثبوت الماء فيها. والبرك الصدر لثبوت الحفظ فيه ، والبراكاء الثبوت في القتال ، وتبارك الله ثبت ولم يزل. وقيل : بركته تضعيف الثواب فيه. روى ابن عمر عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : «من طاف بالبيت لم يرفع قدما ولم يضع أخرى إلا كتب الله بها له حسنة ورفع له بها درجة». وقال الفراء : سمي مباركا لأنه مغفرة للذنوب. وقال ابن جرير : بركته تطهيره من الذنوب. وقيل : بركته أنّ من دخله أمن حتى الوحش ، فيجتمع فيه الظبي والكلب. وأما كونه هدى فلأنه لما كان مقوما مصلحا كان فيه إرشاد. وبولغ بكونه هدى ، أو هو على حذف مضاف أي : وذا هدى. قيل : ومعنى هدى أي قبلة. وقيل : رحمة. وقيل : صلاح. وقيل : بيان ودلالة على الله بما فيه من الآيات التي لا يقدر عليها غيره تعالى. وقال ابن عطية : يحتمل هنا هدى أن يكون بمعنى الدعاء ، أي من حيث دعى العالمون إليه ، وانتصاب مباركا على الحال. وجوزوا أن يكون حالا من الضمير الذي استكن في وضع ، والعامل فيها وضع أي أنّ أول بيت مباركا ، أي في هذه الحال للذي ببكة. وهذا التقدير ليس بجائز ، لأنك فصلت بين العامل في الحال وبين الحال بأجنبي وهو : الخبر ، لأنه معمول لأنّ خبر لها ، فإن أضمرت وضع بعد الخبر أمكن أن يعمل في الحال ، وكان تقديره : للذي ببكة وضع مباركا. وعلى هذا التقدير ينبغي أن يحمل تفسير علي بن أبي طالب السابق ذكره عند ذكر كون هذا البت أولا ، إذ كان قد لاحظ في هذا البيت كونه وضع أولا بقيد هذه الحال.
وجوزوا أيضا أن يكون العامل في الحال العامل في ببكة ، أي استقر ببكة في حال بركته. وهو وجه ظاهر الجواز ، ولم يذكر الزمخشري غيره. وأما هدى فظاهره أنه معطوف على مباركا ، والمعطوف على الحال حال. وجوّز بعضهم أن يكون مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي وهو هدى ، ولا حاجة إلى تكلف هذا الإضمار.
(فِيهِ آياتٌ بَيِّناتٌ) أي علامات واضحات منها : مقام إبراهيم ، والحجر الذي قام
__________________
(١) سورة القصص : ٢٨ / ٥٧.