أبي ، وابن عباس ، فيما رواه طاووس عنه : إلا الله ويقول الراسخون في العلم آمنا به. وقراءة عبد الله : وابتغاء تأويله إن تأويله إلّا عند الله ، والراسخون في العلم يقولون.
ورجح ابن فورك القول الثاني وأطنب في ذلك ، وفي قوله صلىاللهعليهوسلم لابن عباس : «اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل» ما يبين ذلك ، أي : علمه معاني كتابك. وكان عمر إذا وقع مشكل في كتاب الله يستدعيه ويقول له : غص غوّاص. ويجمع أبناء المهاجرين والأنصار ، ويأمرهم بالنظر في معاني الكتاب.
وقال ابن عطية : إذا تأملت قرب الخلاف من الاتفاق ، وذلك أن الكتاب محكم ومتشابه ، فالمحكم المتضح لمن يفهم كلام العرب من غير نظر ، ولا لبس فيه ، ويستوي فيه الراسخ وغيره. والمتشابه منه ما لا يعلمه إلّا الله ، كأمر الروح ، وآماد المغيبات المخبر بوقوعها ، وغير ذلك. ومنه ما يحمل على وجوه في اللغة ، فيتأول على الاستقامة كقوله في عيسى (وَرُوحٌ مِنْهُ) (١) إلى غير ذلك. ولا يسمى راسخا إلّا من يعلم من هذا النوع كثيرا بحسب ما قدّر له ، وإلّا فمن لا يعلم سوى المحكم فليس براسخ.
فقوله (إِلَّا اللهُ) مقتض ببديهة العقل أنه تعالى يعلمه على استيفاء نوعيه جميعا ، والراسخون يعلمون النوع الثاني ، والكلام مستقيم على فصاحة العرب. ودخلوا بالعطف في علم التأويل كما تقول : ما قام لنصري إلّا فلان وفلان ، وأحدهما نصرك بأن ضارب معك ، والآخر أعانك بكلام فقط.
وإن جعلنا (وَالرَّاسِخُونَ) مبتدأ مقطعوعا مما قبله ، فتسميتهم راسخين يقتضي أنهم يعلمون أكثر من المحكم الذي استوى في علمه جميع من يفهم كلام العرب ، وفي أي شيء رسوخهم إذا لم يعلموا إلا ما يعلم الجميع؟ وما الرسوخ إلّا المعرفة بتصاريف الكلام ، وموارد الأحكام ، ومواقع المواعظ؟.
وإعراب : الراسخين ، يحتمل الوجهين ، ولذلك قال ابن عباس بهما.
ومن فسر المتشابه بأنه ما استأثر الله بعلمه فقط ، فتفسيره غير صحيح ، لأنه تخصيص لبعض المتشابه. انتهى. وفيه بعض تلخيص ، وفيه اختياره أنه معطوف على : الله ، وإياه اختار الزمخشري. قال : لا يهتدي إلى تأويله الحق الذي يجب أن يحمل عليه إلّا الله
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٧١. والمجادلة : ٥٨ / ٢٢.