وقال عطاء : وجوه المخلصين ، ووجوه المنافقين. وقيل : وجوه المؤمنين ، ووجوه أهل الكتاب والمنافقين. وقيل : وجوه المجاهدين ، ووجوه الفرار من الزحف. وقيل : تبيضّ بالقناعة ، وتسودّ بالطمع. وقال الكلبي : تسفر وجوه من قدر على السجود إذا دعوا إليه ، وتسودّ وجوه من لم يقدر.
واختلفوا في وقت ابيضاض الوجوه واسودادها ، فقيل : وقت البعث من القبور. وقيل : وقت قراءة الصحف. وقيل : وقت رجحان الحسنات والسيئات في الميزان. وقيل : عند قوله : (وَامْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ) (١). وقيل : وقت أن يؤمر كل فريق بأن يتبع معبوده.
والعامل في (يَوْمَ تَبْيَضُ) ما يتعلق به. ولهم عذاب عظيم أي وعذاب عظيم كائن لهم يوم تبيض وجوه. وقال الحوفي : العامل ، فيه محذوف تدل عليه الجملة السابقة ، أي : يعذبون يوم تبيض وجوه. وقال الزمخشري : بإضمار اذكروا ، أو بالظرف وهو لهم. وقال قوم : العامل عظيم ، وضعف من جهة المعنى لأنه يقتضي أنّ عظم العذاب في ذلك اليوم ، ولا يجوز أن يعمل فيه عذاب ، لأنه مصدر قد وصف. وقرأ يحيى بن وثاب ، وأبو رزين العقيلي ، وأبو نهيك : تبيض وتسودّ بكسر التاء فيهما ، وهي لغة تميم : وقرأ الحسن ، والزهري ، وابن محيصن ، وأبو الجوزاء : تبياض وتسواد بألف فيهما. ويجوز كسر التاء في تبياض وتسواد ، ولم ينقل أنه قرىء بذلك.
(فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ ، أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ) هذا تفصيل لأحكام من تبيض وجوههم وتسودّ. وابتدئ بالذين اسودّت للاهتمام بالتحذير من حالهم ، ولمجاورة قوله : وتسودّ وجوه ، وللابتداء بالمؤمنين والاختتام بحكمهم. فيكون مطلع الكلام ومقطعه شيئا يسر الطبع ، ويشرح الصدر. وقد تقدّم الكلام على أما في أول البقرة وأنها حرف شرط يقتضي جوابا ، ولذلك دخلت الفاء في خبر المبتدأ بعدها ، والخبر هنا محذوف للعلم به. والتقدير : فيقال لهم : أكفرتم؟ كما حذف القول في مواضع كثيرة كقوله : (وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ سَلامٌ عَلَيْكُمْ) (٢) أي يقولون : سلام عليكم. ولمّا حذف الخبر حذفت الفاء ، وإن كان حذفها في غير هذا لا يكون إلا في الشعر نحو قوله :
__________________
(١) سورة يس : ٣٦ / ٥٩.
(٢) سورة الرعد : ١٣ / ٢٣ ـ ٢٤.