ومعنى بالحق أي بإخبار الصدق. وقيل : المعنى متضمنة الأفاعيل التي هي أنفسها حق من كرامة قوم وتعذيب آخرين. وتلك مبتدأ أو آيات الله خبره ، ونتلوها جملة حالية. قالوا : والعامل فيها اسم الإشارة. وجوزوا أن يكون آيات الله بدلا ، والخبر نتلوها. وقال الزجاج : في الكلام حذف تقديره تلك آيات القرآن المذكورة حجج الله ودلائله انتهى. فعلى هذا الذي قدره يكون خبر المبتدأ محذوف ، لأنّه عنده بهذا التقدير يتم معنى الآية. ولا حاجة إلى تقدير هذا المحذوف ، إذ الكلام مستغن عنه تام بنفسه. والباء في بالحق باء المصاحبة ، فهي في الموضع الحال من ضمير المفعول أي : ملتبسة بالحق. وقال الزمخشري : ملتبسة بالحق والعدل من جزاء المحسن والمسيء بما يستوجبانه انتهى. فدسّ في قوله بما يستوجبانه دسيسة اعتزالية. ثم أخبر تعالى أنه لا يريد الظلم ، وإذا لم يرده لم يقع منه لأحد. فما وقع منه تعالى من تنعيم قوم وتعذيب آخرين ليس من باب الظلم ، والظلم وضع الشيء في غير موضعه. روى أبو ذر أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال فيما يروي عن ربه عزوجل أنه قال : يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرّما فلا تظالموا وفي الحديث الصحيح أيضا أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : إن الله لا يظلم المؤمن حسنة يعطى بها في الدّنيا ويجزى بها في الآخرة ، وأما الكافر فيطعم بحسناته في الدّنيا ما عمل لله بها ، فإذا أفضى إلى الآخرة لم يكن له حسنة يجزى بها وقيل : المعنى لا يزيد في إساءة المسيء ولا ينقص من إحسان المحسن ، وفيه تنبيه على أن تسويد الوجوه عدل انتهى.
وللعالمين في موضع المفعول للمصدر الذي هو ظلم ، والفاعل محذوف مع المصدر التقدير : ظلمه ، والعائد هو ضمير الله تعالى أي : ليس الله مريدا أن يظلم أحدا من العالمين. ونكر ظلما لأنّه في سياق النفي ، فهو يعم. وقيل : المعنى أنه تعالى لا يريد ظلم العالمين بعضهم لبعض. واللفظ ينبو عن هذا المعنى ، إذ لو كان هذا المعنى مرادا لكان من أحق به من الكلام ، فكان يكون التركيب : وما الله يريد ظلما من العالمين. وقال الزمخشري : وما الله يريد ظلما فيأخذ أحدا بغير جرم ، أو يزيد في عقاب مجرم ، أو ينقص من ثواب محسن ، ثم قال : فسبحان من يحلم عن من يصفه بإرادة القبائح والرّضا بها ، انتهى كلامه جاريا على مذهبه الاعتزالي. ونقول له : فسبحان من يحلم عمن يصفه بأن يكون في ملكه ما لا يريد ، وإن إرادة العبد تغلب إرادة الرب تعالى الله عن ذلك.
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ) لما ذكر أحوال