الكافرين والمؤمنين ، وأنه يختص بعمل من آمن فيرحمهم به ، ويختص بعمل من كفر فيعذبهم ، نبه على أنّ هذا التصرف هو فيما يملكه ، فلا اعتراض عليه تعالى. ودلت الآية على اتساع ملكه ومرجع الأمور كلها إليه ، فهو غني عن الظلم ، لأن الظلم إنما يكون فيما كان مختصا به عن الظالم. وتقدم شرح هاتين الجملتين فأغنى ذلك عن إعادته.
قالوا وتضمنت هذه الآيات الطباق : في تبيضّ وتسودّ ، وفي اسودّت وابيضّت ، وفي أكفرتم بعد إيمانكم ، وفي بالحق وظلما. والتفصيل : في فأمّا وأمّا. والتجنيس : المماثل في أكفرتم وتكفرون. وتأكيد المظهر بالمضمر في : ففي رحمة الله هم فيها خالدون. والتكرار : في لفظ الله. ومحسنه : أنه في جمل متغايرة المعنى ، والمعروف في لسان العرب إذا اختلفت الجمل أعادت المظهر لا المضمر ، لأن في ذكره دلالة على تفخيم الأمر وتعظيمه ، وليس ذلك نظير.
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
لاتحاد الجملة. لكنه قد يؤتى في الجملة الواحدة بالمظهر قصدا للتفخيم. والإشارة في قوله : تلك ، وتلوين الخطاب في فأمّا الذين اسودّت وجوههم أكفرتم ، والتشبيه والتمثيل في تبيض وتسودّ ، إذا كان ذلك عبارة عن الطلاقة والكآبة والحذف في مواضع.
(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ) قال عكرمة ومقاتل : نزلت في ابن مسعود ، وأبي بن كعب ، وسالم مولى أبي حذيفة ، ومعاذ بن جبل ، وقد قال لهم بعض اليهود : ديننا خير مما تدعوننا إليه ، ونحن خير وأفضل. وقيل : نزلت في المهاجرين. والذي يظهر أنها من تمام الخطاب الأول في قوله : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ) (١) وتوالت بعد هذا مخاطبات المؤمنين من أوامر ونواه ، وكان قد استطرد من ذلك لذكر من يبيض وجهه ويسودّ ، وشيء من أحوالهم في الآخرة ، ثم عاد إلى الخطاب الأول فقال تعالى : كنتم خير أمّة تحريضا بهذا الإخبار على الانقياد والطواعية. والظاهر أنّ الخطاب هو لمن وقع الخطاب له أولا وهم : أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فتكون الإشارة بقوله : أنّة إلى أمة معينة وهي أمة محمد صلىاللهعليهوسلم ، فالصحابة هم خيرها.
وقال الحسن ومجاهد وجماعة : الخطاب لجميع الأمة بأنهم خير الأمم ، ويؤيد هذا
__________________
(١) سورة آل عمران : ٣ / ١٠٢.