التوبة ، والشرطان يثبتان بدليل منفصل ، ولئن سلمنا ما يقولونه فلا نسلم أن الوعيد يدخل تحت الوعد.
وقال الواحدي : يجوز حمله على ميعاد الأولياء دون وعيد الأعداء ، لأن خلف الوعيد كرم عند العرب ، ولذلك يمدحون به. قال الشاعر :
إذا وعد السرّاء أنجز وعده |
|
وإن وعد الضراء فالعفو مانعه |
ويحتمل أن تكون هذه الجملة من كلام الداعين ، ويكون ذلك من باب الالتفات ، إذ هو خروج من خطاب إلى غيبة لما في ذكره باسمه الأعظم من التفخيم والتعظيم والهيبة ، وكأنهم لما والوا الدعاء بقولهم : ربنا ، أخبروا عن الله تعالى بأنه الوفي بالوعد. وتضمن هذا الكلام الإيمان بالبعث ، والمجازاة ، والإيفاء بما وعد تعالى.
(إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ تُغْنِيَ عَنْهُمْ أَمْوالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ مِنَ اللهِ شَيْئاً) قيل : المراد وفد نجران لأنه روي أن أبا حارثة بن علقمة قال لأخيه : إني أعلم أنه رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ولكني إن أظهرت ذلك أخذ ملوك الرّوم مني ما أعطوني من المال. وقيل : الإشارة إلى معاصري رسول الله صلىاللهعليهوسلم. قال ابن عباس : قريظة ، والنضير. وكانوا يفخرون بأموالهم وأبنائهم ، وهي عامّة تتناول كل كافر.
ومعنى : من الله ، أي : من عذابه الدنيوي والأخروي ، ومعنى : أغنى عنه ، دفع عنه ومنعه ، ولما كان المال في باب المدافعة والتقرب والفتنة أبلغ من الأولاد ، قدم في هذه الآية ، وفي قوله : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) (١) وفي قوله : (أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) (٢) وفي قوله : (وَتَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَالْأَوْلادِ) (٣) وفي قوله : (لا يَنْفَعُ مالٌ وَلا بَنُونَ) (٤) بخلاف قوله تعالى : (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ) (٥) إلى آخرها ، فإنه ذكر هنا حب الشهوات ، فقدّم فيه النساء والبنين على ذكر الأموال. وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله.
وقرأ أبو عبد الرحمن : لن يغني ، بالياء على تذكير العلامة. وقرأ علي : لن يغني ،
__________________
(١) سورة سبأ : ٣٤ / ٣٧.
(٢) سورة الأنفال : ٨ / ٢٨.
(٣) سورة الحديد : ٥٧ / ٢٠.
(٤) سورة الشعراء : ٢٦ / ٨٨.
(٥) سورة آل عمران : ٣ / ١٤.