بسكون الياء. وقرأ الحسن : لن يغني بالياء أولا وبالياء الساكنة آخرا ، وذلك لاستثقال الحركة في حرف اللين ، وإجراء المنصوب مجرى المرفوع. وبعض النحويين يخص هذا بالضرورة ، وينبغي أن لا يخص بها ، إذ كثر ذلك في كلامهم.
و : من ، لابتداء الغاية عند المبرد ، وبمعنى : عند ، قاله أبو عبيدة ، وجعله كقوله تعالى : (أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ) (١) قال : معناه عند جوع وعند خوف ، وكون : من ، بمعنى : عند ، ضعيف جدا.
وقال الزمخشري : قوله : من الله ، مثله في قوله : (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٢) والمعنى : لن تغني عنهم من رحمة الله ، أو من طاعة الله شيئا ، أي : بدل رحمته وطاعته ، وبدل الحق. ومنه : ولا ينفع ذا الجدّ منك الجد أي : لا ينفعه جدّه وحظه من الدنيا بذلك ، أي : بدل طاعتك وعبادتك. وما عندك. وفي معناه قوله تعالى : (وَما أَمْوالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى) (٣) انتهى كلامه.
وإثبات البدلية : لمن ، فيه خلاف أصحابنا ينكرونه ، وغيرهم قد أثبته ، وزعم أنها تأتي بمعنى البدل. واستدل بقوله تعالى : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ) (٤) (لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً) (٥) أي : بدل الآخرة وبدلكم. وقال الشاعر :
أخذوا المخاض من الفصيل غلبة |
|
ظلما ويكتب للأمير إفيلا |
أي بدل الفصيل ، وشيئا ينتصب على أنه مصدر ، كما تقول ضربت شيئا من الضرب ، ويحتمل أن ينتصب على المفعول به ، لأن معنى : لن تغني ، لن تدفع أو تمنع ، فعلى هذا يجوز أن يكون : من ، في موضع الحال من شيئا ، لأنه لو تأخر لكان في موضع النعت لها ، فلما تقدّم انتصب على الحال. وتكون : من إذ ذاك للتبعيض.
فتلخص في : من ، أربعة أقوال : ابتداء الغاية ، وهو قول المبرد ، والكلبي. و : كونها بمعنى : عند ، وهو قول أبي عبيدة. و : البدلية ، وهو قول الزمخشري ، و : التبعيض ، وهو الذي قررناه.
(وَأُولئِكَ هُمْ وَقُودُ النَّارِ) لما قدم : إن الذين كفروا لن تغني عنهم كثرة أموالهم ،
__________________
(١) سورة قريش : ١٠٦ / ٤.
(٢) سورة النجم : ٥٣ / ٢٨.
(٣) سورة سبأ : ٣٤ / ٣٧.
(٤) سورة التوبة : ٩ / ٣٨.
(٥) سورة الزخرف : ٤٣ / ٦٠.