وفي هذه الآية دلالة على جواز السفر في فجاج الأرض للاعتبار ، ونظر ما حوت من عجائب مخلوقات الله تعالى ، وزيارة الصالحين وزيارة الأماكن المعظمة كما يفعله سيّاح هذه الملة ، وجواز النظر في كتب المؤرخين لأنها سبيل إلى معرفة سير العالم وما جرى عليهم من المثلاث.
(هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) قال الحسن وقتادة وابن جريج والربيع : الإشارة إلى القرآن. وقيل : الإشارة إلى قوله : (قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ) قاله : ابن إسحاق ، والطبري ، وجماعة. أي هذا تفسير للناس إن قبلوه. وقال الشعبي. هذا بيان للناس من العمى. وقال الزمخشري : هذا بيان للناس ، إيضاح لسوء عاقبة ما هم عليه من التكذيب. يعني : حثهم على النظر في سوء عواقب المكذبين قبلهم ، والاعتبار بما يعاينون من آثار هلاكهم. (وَهُدىً وَمَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ) يعني : أنه مع كونه بيانا وتنبيها للمكذبين فهو زيادة وتثبيت وموعظة للذين اتقوا من المؤمنين. ويجوز أنّ يكون قد خلت جملة معترضة للبعث على الإيمان ، وما يستحق به ما ذكر من أجر العاملين. ويكون قوله : هذا بيان إشارة إلى ما لخص وبين من أمر المتقين والتائبين والمصرين انتهى كلامه. وهو حسن. ولما كان ظاهرا واضحا قال : بيان للناس. ولما كانت الموعظة والهدى لا يكونان إلّا لمن اتقى خص بذلك المتقين ، لأن من عمى فكره وقسا فؤاده لا يهتدي ولا يتعظ ، فلا يناسب أن يضاف إليه الهدى والموعظة.
(وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ). لمّا انهزم من انهزم من المؤمنين أقبل خالد يريد أن يعلو الجبل ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لا يعلن علينا اللهم لا قوة لنا إلا بك» فنزلت قاله : ابن عباس. وزاد الواقدي : أنّ رماة المسلمين صعدوا الجبل ورموا بحبل المشركين حتى هزموهم ، فذلك قوله : (وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ). وقال القرطبي : وأنتم الغالبون بعد أحد ، فلم يخرجوا بعد ذلك إلا ظفروا في كل عسكر كان في عهده عليهالسلام ، وفي كل عسكر كان بعد ولو لم يكن فيه إلّا واحد من الصحابة. وقال الكلبي : نزلت بعد أحد حين أمروا بطلب القوم مع ما أصابهم من الجراح. وقال : لا يخرج إلّا من شهد معنا أمس ، فاشتدّ ذلك على المسلمين فنزلت. نهاهم عن أن يضعفوا عن جهاد أعدائهم ، وعن الحزن على من استشهد من إخوانهم ، فإنّهم صاروا إلى كرامة الله قاله : ابن عباس. أو لأجل هزيمتهم وقتلهم يوم أحد قاله : مقاتل. أو لما أصاب النبي صلىاللهعليهوسلم من شجّه وكسر رباعيته ذكره : الماوردي. أو لما فات من الغنيمة ذكره : أحمد النيسابوري. أو لمجموع ذلك.