قول من قال لمن قتل وقاتل : إنما يستند إلى الربيين. انتهى كلامه وليس بظاهر. لأن كأين مثل كم ، وأنت خبير إذا قلت : كم من عان فككته ، فأفردت. راعيت لفظ كم ومعناها الجمع : وإذا قلت : كم من عان فككتهم ، راعيت معنى كم لا لفظها. وليس معنى مراعاة اللفظ إلا أنك أفردت الضمير ، والمراد به الجمع. فلا فرق من حيث المعنى بين فككته وفككتهم ، كذلك لا فرق بين قتلوا معهم ربيون وقتل معه ربيون ، وإنما جاز مراعاة اللفظ تارة ، ومراعاة المعنى تارة ، لأن مدلول كم وكأين كثير ، والمعنى جمع كثير. وإذا أخبرت عن جمع كثير فتارة تفرد مراعاة للفظ ، وتارة تجمع مراعاة للمعنى كما قال تعالى : (أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ. سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ) (١) فقال : منتصر ، وقال : ويولون. فأفرد منتصر ، وجمع في يولون. وقول أبي الفتح في جواب السؤال الذي فرضه : أن اللفظ قد جرى على جهة الإفراد في قوله : من نبي ، أي روعي لفظ كأين لكون تمييزها جاء مفردا ، فناسب لما ميزت بمفرد أن يراعى لفظها ، والمعنى على الجمع. وقوله : ودل الضمير المفرد في معه على أن المراد إنما هو التمثيل بواحد واحد ، هذا المراد مشترك بين أن يفرد الضمير ، أو يجمع. لأن الضمير المفرد ليس معناه هنا إفراد مدلوله ، بل لا فرق بينه مفردا ومجموعا من حيث المعنى. وإذ لا فرق فدلالته عامة ، وهي دلالته على كل فرد فرد. وقوله : فخرج الكلام عن معنى كأين ، لم يخرج الكلام عن معنى كأين ، إنما خرج عن جمع الضمير على معنى كأين دون لفظها ، لأنه إذا أفرد لفظا لم يكن مدلوله مفردا ، إنما يكون جمعا كما قالوا : هو أحسن الفتيان وأجمله ، معناه : وأجملهم. ومن أسند قتل أو قتل إلى ربيون ، فالمعنى عنده : قتل بعضهم. كما تقول : قتل بنو فلان في وقعة كذا ، أي جماعة منهم.
والربي عابد الرب. وكسر الراء من تغيير النسب ، كما قالوا : إمسيّ في النسب إلى أمس ، قاله : الأخفش. أو الجماعة قاله : أبو عبيدة. أو منسوب إلى الرّبة وهي الجماعة ، ثم جمع بالواو والنون قاله : الزجاج. أو الجماعة الكثيرة قاله : يونس بن حبيب. وربيون منسوب إليها. قال قطرب : جماعة العلماء على قول يونس ، وأمّا المفسرون فقال ابن مسعود ، وابن عباس : هم الألوف ، واختاره الفراء وغيره. عدد ذلك بعض المفسرين فقال : هم عشرة آلاف. وقال ابن عباس في رواية ، ومجاهد ، وعكرمة ، والضحاك ، وقتادة ،
__________________
(١) سورة القمر : ٥٤ / ٤٤ ـ ٤٥.