واوان ساكنتان. ولو قال : استثقلت الضمة على الواو ، لأن الضمة كأنها واو ، فصار ذلك كأنه جمع ثلاث واوات ، فتنقلب الضمة إلى اللام ، فالتقى ساكنان ، فحذفت الأولى منهما ، ولم يبهم في قوله إحدى الواوين لأمكن ذلك في توجيه هذه القراءة الشاذة ، أما أن يبنى ذلك على أنه على لغة من همز على زعمه ، فلا يتصور. ويحتمل أن يكون مضارع ولي وعدي بعلي ، على تضمين معنى العطف. أي : لا تعطفون على أحد. وقرأ الأعمش وأبو بكر في رواية عن عاصم : تلوون من ألوى ، وهي لغة في لوى. وظاهر قوله على أحد العموم.
وقيل : المراد النبي صلىاللهعليهوسلم ، وعبر بأحد عنه تعظيما له وصونا لاسمه أن يذكر عند ذهابهم عنه ، قاله : ابن عباس والكلبي.
وقرأ حميد بن قيس على أحد بضم الهمزة والحاء ، وهو الجبل. قال ابن عطية : والقراءة الشهيرة أقوى ، لأن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يكن على الجبل إلا بعد ما فرّ الناس عنه ، وهذه الحال من إصعادهم إنما كانت وهو يدعوهم انتهى. وقال غيره : الخطاب فيه لمن أمعن في الهرب ولم يصعد الجبل مع من صعد. ويجوز أن يكون أراد بقوله : ولا تلوون على أحد ، أي من كان على جبل أحد ، وهو النبي صلىاللهعليهوسلم ومن معه الذين صعدوا. وتلوون هو من ليّ العنق ، لأن من عرج على الشيء يلوي عنقه ، أو عنان دابته. والألف واللام في الرسول للعهد. ودعاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، روي أنه كان يقول : «إليّ عباد الله» والناس يفرون عنه. وروي : «أي عباد الله ارجعوا» قاله : ابن عباس : وفي رواية : «ارجعوا إليّ فإني رسول الله من يكر له الجنة» وهو قول : السدي ، والربيع. قال القرطبي : وكان دعاؤه تغيير للمنكر ، ومحال أن يرى رسول الله صلىاللهعليهوسلم المنكر وهو الانهزام ثم لا ينهى عنه.
ومعنى في أخراكم : أي في ساقتكم وجماعتكم الأخرى ، وهي المتأخرة. يقال : جئت في آخر الناس وأخراهم ، كما تقول : في أولهم وأولاهم بتأويل مقدّمتهم وجماعتهم الأولى. وفي قوله : في أخراكم دلالة عظيمة على شجاعة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فإن الوقوف على أعقاب الشجعان وهم فرار والثبات فيه إنما هو للأبطال الأنجاد ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم أشجع الناس. قال سلمة : كنا إذا احمرّ البأس اتقيناه برسول الله صلىاللهعليهوسلم.
(فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍ) الفاعل بأثابكم هو الله تعالى. وقال الفراء : الإثابة هنا بمعنى المغالبة انتهى. وسمي الغم ثوابا على معنى أنه قائم في هذه النازلة مقام الثواب الذي كان يحصل لو لا الفرار. فهو نظير قوله :