المعاني الغامضة ، والإنجيل شبه لما فيه من اتساع الترغيب والترهيب والمواعظ والخضوع بالعين النجلاء ، وجعل ذلك هدى لما فيه من الإرشاد ، كالطريق الذي يهديك إلى المكان الذي ترومه ، وشبه الفرقان بالجرم الفارق بين جرمين ، وفي قوله : (عَذابٌ شَدِيدٌ) شبه ما يحصل للنفس من ضيق العذاب وألمه بالمشدود الموثق المضيق عليه ، وفي قوله : (يُصَوِّرُكُمْ) شبه أمره بقوله : كن أو تعلق إرادته بكونه جاء على غاية من الإحكام والصنع بمصوّر يمثل شيئا ، فيضم جرما إلى جرم ، ويصوّر منه صورة. وفي قوله : (مِنْهُ آياتٌ مُحْكَماتٌ) جعل ما اتضح من معاني كتابه ، وظهرت آثار الحكمة عليه محكما ، وشبه المحكم لما فيه من أصول المعاني التي تتفرّع منها فروع متعدّدة ترجع إليها بالأم التي يرجع إليها ما تفرّع من نسلها ويؤمونها ، وشبه ما خفيت معانيه لاختلاف أنحائه كالفواتح ، والألفاظ المحتملة معاني شتى ، والآيات الدالة على أمر المعاد والحساب بالشيء المشتبه الملبس أمره الذي وجم العقل عن تكييفه ؛ وفي قوله : (فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) شبه القلب المائل عن القصد بالشيء الزائغ عن مكانه ، وفي قوله : (وَهَبْ لَنا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً) شبه المعقول من الرحمة عن إرادة الخير ، بالمحسوس من الأجرام من العوض والمعوض في الهبة وفي قوله : (وَقُودُ النَّارِ) شبههم بالحطب الذي لا ينتفع به إلّا في الوقود. وقال تعالى : (إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ) (١) والحصب الحطب بلغة الحبشة ، وفي قوله : (فَأَخَذَهُمُ اللهُ بِذُنُوبِهِمْ) شبه إحاطة عذابه بهم بالمأخوذ باليد المتصرف فيه بحكم إرادة الأخذ.
وقيل : هذه كلها استعارات ، ولا تشبيه فيها إلّا (كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ) فإنه صرح فيه بذكر أداة التشبيه.
والاختصاص في مواضع ، منها في قوله : (نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ) إلى (وَأَنْزَلَ الْفُرْقانَ) على من فسره بالزبور ، واختص الأربعة دون بقية ما أنزل ، لأن أصحاب الكتب إذ ذاك : المؤمنون ، واليهود ، والنصارى ، وفي قوله : (لا يَخْفى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي السَّماءِ) خصّهما لأنهما أكبر مخلوقاته الظاهرة لنا ، ولأنهما محلان للعقلاء ، ولأن منهما أكثر المنافع المختصة بعباده. وفي قوله : (وَالرَّاسِخُونَ) اختصهم بخصوصية الرسوخ في العلم بهم ؛ وفي قوله : (أُولُوا الْأَلْبابِ) لأن العقلاء لهم خصوصية التمييز ، والنظر ،
__________________
(١) سورة الأنبياء : ٢١ / ٩٨.