صبركم ، وليمحص عنكم سيئاتكم إن تبتم وأخلصتم. وقيل : ليعاملكم معاملة المختبر. وقيل : ليقع منكم مشاهدة علمه غيبا كقوله : (فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ) (١). وقيل : هو على حذف مضاف. أي : وليبتلي أولياء الله ما في صدوركم ، فأضافه إليه تعالى تفخيما لشأنه. والواو قيل : زائدة. وقيل : للعطف على علة محذوفة ، أي : ليقضي الله أمره وليبتلي. وقال ابن بحر : عطف على ليبتليكم ، لما طال الكلام أعاده ثم عطف عليه ليمحص. وقيل : تتعلق اللام بفعل متأخر ، التقدير : وليبتلي وليمحص فعل هذه الأمور الواقعة. وكان متعلق الابتلاء ما انطوت عليه الصدور وهي القلوب كما قال : (وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ) (٢) ومتعلق التمحيص وهو التصفية والتطهير ما انطوت عليه القلوب من النيات والعقائد.
(وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ) تقدم تفسير مثل هذه الجملة ، وجاء بها عقيب قوله : وليمحص ما في قلوبكم على معنى : أنه عليم بما انطوت عليه الصدور ، وما أضمرته من العقائد ، فهو يمحص منها ما أراد تمحيصه.
(إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا) خطب عمر يوم الجمعة فقرأ آل عمران ، وكان يعجبه إذا خطب أن يقرأها ، فلما انتهى إلى هذه الآية قال : لما كان يوم أحد فهزمنا مررت حتى صعدت الجبل ، فلقد رأيتني انزو كأنني أروى ، والناس يقولون : قتل محمد ، فقلت : لا أجد أحدا يقول : قتل محمد إلا قتلته ، حتى اجتمعنا على الجبل ، فنزلت هذه الآية كلها. وقال عكرمة : نزلت فيمن فرّ من المؤمنين فرارا كثيرا منهم : رافع بن المعلى ، وأبو حذيفة بن عتبة ، ورجل آخر.
والذين تولوا : كل من ولى الدبر عن المشركين يوم أحد قاله : عمر ، وقتادة ، والربيع. أو كل من قرب من المدينة وقت الهزيمة قاله السدي. أو رجال بأعيانهم قاله : ابن إسحاق منهم : عتبة بن عثمان الزرقي ، وأخوه سعد وغيرهما ، بلغوا الجلعب جبلا بناحية المدينة مما يلي الأعوص فأقاموا به ثلاثا ، ثم رجعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال لهم : «لقد ذهبتم فيها عريضة» ولم يبق مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ إلا ثلاثة عشر رجلا أبو بكر ، وعلي ، وطلحة ، وسعد بن أبي وقاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، وباقيهم من الأنصار منهم : أبو
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٢٩.
(٢) سورة الحج : ٢٢ / ٤٦.