وتقدّم القتل على الموت بعد ، لأنه محل تحريض على الجهاد ، فقدم الأهم والأشرف. وقدم الموت هنا لأنه الأغلب ، ولم يؤكد الفعل الواقع جوابا للقسم المحذوف لأنه فصل بين اللام المتلقى بها القسم وبينه بالجار والمجرور. ولو تأخر لكان : لتحشرن إليه كقوله : ليقولن ما يحبسه. وسواء كان الفصل بمعمول الفعل كهذا ، أو بسوف. كقوله : (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) (١) أو بقد كقول الشاعر :
كذبت لقد أصبى على المرء عرسه |
|
وأمنع عرسي أن يزن بها الخالي |
قال أبو علي : الأصل دخول النون فرقا بين لام اليمين ولام الابتداء ، ولام الابتداء لا تدخل على الفضلات ، فبدخول لام اليمين على الفضلة وقع الفصل ، فلم يحتج إلى النون. وبدخولها على سوف وقع الفرق ، فلم يحتج إلى النون ، لأن لام الابتداء لا تدخل على الفعل إلا إذا كان حالا ، أمّا إذا كان مستقبلا فلا.
(فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ لِنْتَ لَهُمْ) متعلق الرحمة المؤمنون. فالمعنى : فبرحمة من الله عليهم لنت لهم ، فتكون الرحمة امتن بها عليهم. أي : دمثت أخلاقك ولان جانبك لهم بعد ما خالفوا أمرك وعصوك في هذه القراءة ، وذلك برحمة الله إياهم. وقيل : متعلق الرحمة المخاطب صلىاللهعليهوسلم ، أي برحمة الله إياك جعلك لين الجانب موطأ الأكناف ، فرحمتهم ولنت لهم ، ولم تؤاخذهم بالعصيان والفرار وإفرادك للأعداء ، ويكون ذلك امتنانا على رسول الله صلىاللهعليهوسلم. ويحتمل أن يكون متعلق الرحمة النبي صلىاللهعليهوسلم بأن جعله على خلق عظيم ، وبعثه بتتميم محاسن الأخلاق والمؤمنين ، بأن لينه لهم.
وما هنا زائدة للتأكيد ، وزيادتها بين الباء وعن ومن والكاف ، وبين مجروراتها شيء معروف في اللسان ، مقرر في علم العربية. وذهب بعض الناس إلى أنها منكرة تامة ، ورحمة بدل منها. كأنه قيل : فبشيء أبهم ، ثم أبدل على سبيل التوضيح ، فقال : رحمة. وكان قائل هذا يفر من الإطلاق عليها أنهار زائدة. وقيل : ما هنا استفهامية. قال الرازي : قال المحققون : دخول اللفظ المهمل الوضع في كلام أحكم الحاكمين غير جائز ، وهنا يجوز أن تكون ما استفهامية للتعجب تقديره : فبأي رحمة من الله لنت لهم ، وذلك بأن جنايتهم لما كانت عظيمة ثم أنه ما أظهر البتة تغليظا في القول ، ولا خشونة في الكلام ، علموا أنّ هذا لا يتأتى إلا بتأييد رباني قبل ذلك انتهى كلامه. وما قاله المحققون :
__________________
(١) سورة الشعراء : ٢٦ / ٤٩.