إذ ذاك من تقدير مضاف محذوف تقديره : إنما ذلكم فعل الشيطان. وقدّره الزمخشري قول الشيطان ، أي قول إبليس. فتكون الإشارة على هذا التقدير إلى القول السابق وهو : أن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم. وعلى هذه الأقوال كلها فالخبر عن المبتدأ الذي هو ذلكم بالشيطان هو مجاز ، لأن الأعيان ليست من نفس الشيطان ، ولا ما جرى من قول فقط ، أو من قول ، وما انضم إليه مما صدر من العدوّ من تخويف ، وما صدر من جزع ، ليس نفس قول الشيطان ولا فعله ، وإنما نسب إليه وأضيف ، لأنه ناشيء عن وسوسته وإغوائه وإلقائه.
والتشديد في يخوّف للنقل ، كان قبله يتعدّى لواحد ، فلما ضعف صار يتعدّى لاثنين. وهو من الأفعال التي يجوز حذف مفعوليها ، وأحدهما اقتصار أو اختصار ، أو هنا تعدّى إلى واحد ، والآخر محذوف. فيجوز أن يكون الأوّل ويكون التقدير : يخوفكم أولياء ، أي شر أوليائه في هذا الوجه. لأن الذوات لا تخاف ، ويكون المخوفون إذ ذاك المؤمنين ، ويجوز أن يكون المحذوف المفعول الثاني ، أي : يخوّف أولياءه شرّ الكفار ، ويكون أولياءه في هذا الوجه هم المنافقون ، ومن في قلبه مرض المتخلفون عن الخروج مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم أي : أنه لا يتعدّى تخويفه المنافقين ، ولا يصل إليكم تخويفه. وعلى الوجه الأوّل يكون أولياءه هم الكفار : أبو سفيان ومن معه. ويدل على هذا الوجه قراءة ابن مسعود وابن عباس يخوفكم أولياءه ، إذ ظهر فيها أن المحذوف هو المفعول الأوّل. وقرأ أبيّ والنخعي : يخوفكم بأوليائه ، فيجوز أن تكون الباء زائدة مثلها في يقرأن بالسور ، ويكون المفعول الثاني هو بأوليائه ، أي : أولياءه ، كقراءة الجمهور. ويجوز أن تكون الباء للسبب ، ويكون مفعول يخوّف الثاني محذوفا أي : يخوّفكم الشرّ بأوليائه ، فيكونون آلة للتخويف. وقد حمل بعض المعربين قراءة الجمهور يخوف أولياءه على أن التقدير : بأوليائه ، فيكون إذ ذاك قد حذف مفعولا يخوف لدلالة ، المعنى على الحذف ، والتقدير : يخوفكم الشرّ بأوليائه ، وهذا بعيد. والأحسن في الإعراب أن يكون ذلكم مبتدأ ، والشيطان خبره ، ويخوف جملة حالية ، يدل على أن هذه الجملة حال مجيء المفرد منصوبا على الحال مكانها نحو قوله تعالى : (فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً) (١) (وَهذا بَعْلِي شَيْخاً) (٢) وأجاز أبو البقاء أن يكون الشيطان بدلا أو عطف بيان ، ويكون يخوف خبرا عن ذلكم. وقال الزمخشري : الشيطان خبر ذلكم ، بمعنى : إنما ذلكم المثبط هو الشيطان ، ويخوّف أولياءه جملة مستأنفة بيان لتثبيطه ، أو الشيطان صفة لاسم الإشارة ، ويخوف الخبر. والمراد بالشيطان نعيم أو أبو
__________________
(١) سورة النمل : ٢٧ / ٥٢.
(٢) سورة هود : ١١ / ٧٢.