مصنوعاته. ثم ذكروا أيضا ما أنتج لهم الفكر من إجابة الداعي إلى الإيمان ، إذ ذاك مترتب على أنه تعالى ما خلق هذا الخلق العجيب باطلا. ثم سألوا غفران ذنوبهم ووفاتهم على الإيمان الذي أخبروا به في قولهم : فآمنا. ثم سألوا الله الجنة وأن لا يفضحهم يوم القيامة ، وذلك هو غاية ما سألوه.
وتكرر لفظ ربنا خمس مرات ، كلّ ذلك على سبيل الاستعطاف وتطلب رحمة الله تعالى بندائه بهذا الاسم الشريف الدال على التربية والملك والإصلاح. وكذلك تكرر هذا الاسم في قصة آدم ونوح وغيرهما. وفي تكرار ربنا ربنا دلالة على جواز الإلحاح في المسألة ، واعتماد كثرة الطلب من الله تعالى. وفي الحديث : «ألظوا بيا ذا الجلال والإكرام» وقال الحسن : ما زالوا يقولون ربنا ربنا حتى استحاب لهم. وهذه مسألة أجمع عليها علماء الأمصار خلافا لبعض الصوفية ، إذا جاز ذلك فيما يتعلق بالآخرة لا بالدنيا ، ولبعض المتصرفة أيضا إذ قال الله تعالى : تولى من اتبع الأمر (١) واجتنب النهي وارتفع عنه كلف طلباته ودعائه. خرج أبو نصر الوابلي السجستاني الحافظ في كتاب الإبانة عن أبي هريرة : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم كان يقرأ عشر آيات من آخر سورة آل عمران كل ليلة» يعني : أن في خلق السموات والأرض. قال العلماء : ويستحب لمن انتبه من نومه أن يمسح على وجهه ، ويستفتح قيامه بقراءة هذه العشر آيات اقتداء بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما ، ثم يصلي ما كتب له ، فيجمع بين التفكر والعمل (فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) روي أن أم سلمة قالت : يا رسول الله قد ذكر الله الرّجال في الهجرة ولم يذكر النساء في شيء من ذلك ، فنزلت ، ونزل آيات في معناها فيها ذكر النساء. ومعنى استجاب : أجاب ، ويعدي بنفسه وباللام. وتقدم الكلام في (فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي) (٢) ونقل تاج القرّاء أن أجاب عام ، واستجاب خاص في حصول المطلوب. وقرأ الجمهور : إني على إسقاط الباء ، أي : بأني. وقرأ أبي بأني بالباء. وقرأ عيسى بن عمر : إني بكسر الهمزة ، فيكون على إضمار القول على قول البصريين ، أو على الحكاية بقوله : فاستجاب. لأن فيه معنى القول على طريقة الكوفيين. وقرأ الجمهور : أضيع من أضاع. وقرأ بعضهم : أضيع بالتشديد من ضيّع ، والهمزة والتشديد فيه للنقل كما قال الشاعر :
__________________
(١) سورة.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٨٦.