أي : خير لهم مما يتقلب فيه الكفار من المتاع الزائل. وقيل : خير هنا ليست للتفضيل ، كما أنها في قوله تعالى : (أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا) (١) والأظهر ما قدمناه.
وللأبرار متعلق بخير ، والأبرار هم المتقون الذين أخبر عنهم بأن لهم جنات. وقيل : فيه تقديم وتأخير. أي الذي عند الله للأبرار خير لهم ، وهذا ذهول عن قاعدة العربية من أن المجرور إذ ذاك يتعلق بما تعلق به الظرف الواقع صلة للموصول ، فيكون المجرور داخلا في حيز الصلة ، ولا يخبر عن الموصول إلا بعد استيفائه صلته ومتعلقاتها.
(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ) لما مات أصمحة النجاشي ملك الحبشة. ومعنى أصمحة بالعربية عطية ، قال سفيان بن عيينة وغيره : «صلى عليه رسول الله صلىاللهعليهوسلم» فقال قائل : يصلي عليه العلج النصراني وهو في أرضه فنزلت ، قاله : جابر بن عبد الله ، وابن عباس ، وأنس. وقال الحسن وقتادة : في النجاشي وأصحابه. وقال ابن عباس فيما روى عنه أبو صالح : في مؤمني أهل الكتاب من اليهود والنصارى ، وبه قال : مجاهد. وقال ابن جريج وابن زيد ومقاتل : في عبد الله بن سلام وأصحابه. وقال عطاء : في أربعين من نجران ، واثنين وثلاثين من الحبشة ، وثمانية من الروم ، كانوا على دين عيسى فآمنوا بالنبي صلىاللهعليهوسلم ، ومن في لمن الظاهر أنها موصولة ، وأجيز أن تكون نكرة موصوفة أي : لقوما. والذي أنزل إلينا هو القرآن ، والذي أنزل إليهم هو كتابهم.
(خاشِعِينَ لِلَّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللهِ ثَمَناً قَلِيلاً) كما اشترت بها أحبارهم الذين لم يؤمنوا. وانتصاب خاشعين على الحال من الضمير في يؤمن ، وكذلك لا يشترون هو في موضع نصب على الحال. وقيل : حال من الضمير في إليهم ، والعامل فيها أنزل. وقيل : حال من الضمير في لا يشترون ، وهما قولان ضعيفان. ومن جعل من نكرة موصوفة ، يجوز أن يكون خاشعين ولا يشترون صفتين للنكرة. وجمع خاشعين على معنى من كما جمع في وما أنزل إليهم. وحمل أولا على اللفظ في قوله : يؤمن ، فأفرد وإذا اجتمع الحملان ، فالأولى أن يبدأ بالحمل على اللفظ. وأتى في الآية بلفظ يؤمن دون آمن ، وإن كان إيمان من نزل فيهم قد وقع إشارة إلى الديمومة والاستمرار. ووصفهم بالخشوع وهو التذلل والخضوع المنافي للتعاظم والاستكبار ، كما قال تعالى : (وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) (٢).
__________________
(١) سورة الفرقان : ٢٥ / ٢٤.
(٢) سورة المائدة : ٥ / ٨٢.