(إِنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً) قرأ الجمهور بضم الحاء ، والحسن بفتحها وهي لغة بني تميم وغيرهم ، وبعض القراء : إنه كان حابا كبيرا ، وكلها مصادر. قال ابن عباس والحسن وغيرهما : الحوب الإثم. وقيل : الظلم. وقيل : الوحشة. والضمير في إنه عائد على الأكل. وقيل : على التبدل. وعوده على الأكل أقرب لقربه منه ، ويجوز أن يعود عليهما. كأنه قيل : إن ذلك كما قال :
فيها خطوط من سواد وبلق |
|
كأنه في الجلد توليع البهق |
أي كان ذلك (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) ثبت في صحيح مسلم عن عائشة أنها قالت : نزلت في أولياء اليتامى الذين يعجبهم جمال ولياتهم فيريدون أن يبخسوهم في المهر لمكان ولايتهم عليهن. فقيل لهم : أقسطوا في مهورهن ، فمن خاف أن لا يقسط فليتزوج ما طاب له من الاجنبيات اللواتي يماكسن في حقوقهن. وقاله أيضا ربيعة. وقال عكرمة : نزلت في قريش يتزوج منهم الرجل العشرة وأكثر وأقل ، فإذا ضاق ماله مال على مال يتيمه فيتزوج منه ، فقيل له : إن خفتم عجز أموالكم حتى تجوروا في اليتامى فاقتصروا. وقال ابن عباس ، وابن جبير ، وقتادة ، والسدي : كانت العرب تتحرج في أموال اليتامى ولا تتحرج في العدل بين النساء ، يتزوجون العشرة فأكثر ، فنزلت في ذلك أي : كما تخافون أن لا تقسطوا في اليتامى فكذلك فتحرجوا في النساء ، وانكحوا على هذا الحد الذي يبعد الجور عنه. وقال مجاهد : إنما الآية تحذير من الزنا وزجر عنه ، أي كما تتحرجون في مال اليتامى فكذلك تحرجوا من الزنا ، وانكحوا على ما حد لكم. وعلى هذه الأقوال غير الأول لا يختص اليتامى بإناث ولا ذكور ، وعلى ما روي عن عائشة يكون مختصا بالإناث كأنه قيل في يتامى النساء.
والظاهر من هذه الأقوال أن يكون التقدير : وإن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح يتامى النساء فانكحوا ما طاب لكم من غيرهن ، لما أمروا بأن يؤتوا اليتامى أموالهم ، ونهوا عن الاستبدال المذكور ، وعن أكل أموال اليتامى ، كان في ذلك مزيد اعتناء باليتامى واحتراز من ظلمهم كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً) (١) فخوطب أولياء يتامى النساء أو الناس بقوله : وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى أي : في نكاح يتامى النساء ، فانكحوا غيرهن ، وعلى هذا الذي اخترناه من أن المعنى في
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٠.