بين : لا تحسبن ، وبين بمفازة ، فأعيدت الجملة ، وصار المعنى على هذا التقدير ، إن لم تستطيعوا أن تعدلوا فانكحوا واحدة. قال : وقد ثبت أنهم لا يستطيعون العدل بقوله : (وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ) (١) انتهى هذا القول وهو منسوب إلى أبي علي. ولعله لا يصح عنه ، فإن أبا علي كان من علم النحو بمكان ، وهذا القول فيه إفساد نظم القرآن التركيبي ، وبطلان للأحكام الشرعية : لأنه إذا أنتج من الآيتين هذه وقوله : ولن تستطيعوا بما نتج من الدلالة ، اقتضى أنه لا يجوز أن يتزوج غير واحدة ، أو يتسرّى بما ملكت يمينه. ويبقى هذا الفصل بالاعتراض بين الشرط وبين جوابه لغوا لا فائدة له على زعمه. والعدل المنفي استطاعته غير هذا العدل المنفي هنا ، ذاك عدل في ميل القلب وقد رفع الحرج فيه عن الإنسان ، وهذا عدل في القسم والنفقة. ولذلك نفيت هناك استطاعته ، وعلق هنا على خوف انتفائه ، لأن الخوف فيه رجاء وظن غالبا. وانتزع الشافعي من قوله : فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ، أن الاشتغال بنوافل العبادات أفضل من الاشتغال بالنكاح ، خلافا لأبي حنيفة ، إذ عكس. ووجه انتزاعه ذلك واستدلاله بالآية أنه تعالى خير بين تزوج الواحدة والتسري ، والتخيير بين الشيئين مشعر بالمساواة بينهما في الحكمة المطلوبة ، والحكمة سكون النفس بالأزواج ، وتحصين الدين ومصالح البيت ، وكل ذلك حاصل بالطريقين ، وأجمعنا على أن الاشتغال بالنوافل أفضل من التسري ، فوجب أن يكون أفضل من النكاح ، لأن الزائد على المتساويين يكون زائدا على المساوي الثاني لا محالة.
(ذلِكَ أَدْنى أَلَّا تَعُولُوا) الإشارة إلى اختيار الحرة الواحدة والأمة. أدنى من الدنو أي : أقرب أن لا تعولوا ، أي : أن لا تميلوا عن الحق. قاله : ابن عباس ، وقتادة ، والربيع بن أنس ، وأبو مالك ، والسدّي. وقال مجاهد : لا تضلوا. وقال النخعي : لا تخونوا.
وقالت فرقة منهم زيد بن أسلم وابن زيد والشافعي : معناه لا يكثر عيالكم. وقد رد على الشافعي في هذا القول من جهة المعنى ومن جهة اللفظ ، أما من جهة المعنى فقال أبو بكر بن داود والرازي ما معناه : غلط الشافعي ، لأن صاحب الإماء في العيال كصاحب الأزواج. وقال الزجاج : إن الله قد أباح كثرة السراري ، وفي ذلك تكثير العيال ، فكيف يكون أقرب إلى أن لا يكثروا؟ وقال صاحب النظم : قال : أولا أن لا تعدلوا يجب أن يكون ضد العدل هو الجور ، وأما من جهة اللفظ ويقتضي أيضا الرد من جهة المعنى ، فتفسير الشافعي
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٢٩.