أي : ليس يخطئون مواضع العطاء. قال ابن عباس وغيره : ومبادرة كبرهم أن الوصي يستغنم مال محجوره فيأكل ويقول : أبادر كبره لئلا يرشد ويأخذ ماله.
وانتصب إسرافا وبدارا على أنهما مصدران في موضع الحال ، أي : مسرفين ومبادرين. والبدار مصدر بادر ، وهو من باب المفاعلة التي تكون بين اثنين. لأن اليتيم مبادر إلى الكبر ، والولي مبادر إلى أخذ ماله ، فكأنهما مستبقان. ويجوز أن يكون من واحد ، وأجيز أن ينتصبا على المفعول من أجله ، أي : لإسرافكم ومبادرتكم. وإن يكبروا مفعول بالمصدر ، أي : كبركم كقوله : أو إطعام يتيما (١) وفي إعمال المصدر المنوّن خلاف. وقيل : التقدير مخافة أن يكبروا ، فيكون أن يكبروا مفعولا من أجله ، ومفعول بدارا محذوف.
(وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَنْ كانَ فَقِيراً فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ) ظاهر هذه الجملة يدل على أنه تقسيم لحال الوصي على اليتيم ، فأمره تعالى بالاستعفاف عن ماله إن كان غنيا ، واقتناعه بما رزقه الله تعالى من الغنى ، وأباح له الأكل بالمعروف من مال اليتيم إن كان فقيرا ، بحيث يأخذ قوتا محتاطا في تقديره.
وظاهر هذه الإباحة أنه لا تبعة عليه ، ولا يترتب في ذمته ما أخذ مما يسدّ جوعته بما لا يكون رفيعا من الثياب ، ولا يقضي إذا أيسر قاله : ابراهيم ، وعطاء ، والحسن ، وقتادة ، وعلى هذا القول الفقهاء. وقال عمر ، وابن عباس ، وعبيدة ، والشعبي ، ومجاهد ، وأبو العالية ، وابن جبير : يقضي إذا أيسر ، ولا يستلف أكثر من حاجته. وبه قال الأوزاعي. وقال ابن عباس أيضا وأبو العالية ، والحسن ، والشعبي : إنما يأكل بالمعروف إذا شرب من اللبن ، وأكل من التمر ، بما يهنأ الجرباء ويليط الحوض ، ويجد التمر وما أشبهه. فأما أعيان الأموال وأصولها فليس للولي أخذها.
وقالت طائفة : المعروف أن يكون له أجر بقدر عمله وخدمته ، وهذه رواية عن الإمام أحمد. وفصل الحسن بن حي فقال : إن كان وصي أب فله الأكل بالمعروف ، أو وصي حاكم فلا سبيل له إلى المال بوجه ، وأجرته على بيت المال. وفصل أبو حنيفة وصاحباه فقالوا : إن كان وصي اليتيم مقيما فلا يجوز له أن يأخذ من ماله شيئا ، وإن كان مسافرا فله أن يأخذ ما يحتاج إليه ، ولا يقتني شيئا. وفصل الشعبي فقال : إن كان مضطرا بحال من
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٦.