ويجعل الله في فراقكم لهنّ خيرا كثيرا لكم ولهن ، كقوله : (وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ) (١) قاله الأصم : وهذا القول بعيد من سياق الآية ، ومما يدل عليه ما قبلها وما بعدها. وقلّ أن ترى متعاشرين يرضى كل واحد منهما جميع خلق الآخر ، ويقال : ما تعاشر اثنان إلا وأحدهما يتغاضى عن الآخر. وفي صحيح مسلم : «لا يفزك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر». وأنشدوا في هذا المعنى :
ومن لا يغمض عينه عن صديقه |
|
وعن بعض ما فيه يمت وهو عاتب |
ومن يتتبع جاهدا كل عثرة |
|
يجدها ولا يسلم له الدهر صاحب |
(وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدالَ زَوْجٍ مَكانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً) لمّا أذن في مضارتهن إذا أتين بفاحشة ليذهب ببعض ما أعطاها ، بنى تحريم ذلك في غير حال الفاحشة ، وأقام الإرادة مقام الفعل. فكأنه قال : وإن استبدلتم. أو حذف معطوف أي : واستبدلتم. وظاهر قوله : وآتيتم أن الواو للحال ، أي : وقد آتيتم. وقيل : هو معطوف على فعل الشرط وليس بظاهر. والاستبدال وضع الشيء مكان الشيء والمعنى : أنه إذا كان الفراق من اختياركم فلا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا. واستدل بقوله : وآتيتم إحداهن قنطارا على جواز المغالاة في الصدقات ، وقد استدلت بذلك المرأة التي خاطبت عمر حين خطب وقال : «ألا لا تغالوا في مهور نسائكم». وقال قوم : لا تدل على المغالاة ، لأنه تمثيل على جهة المبالغة في الكثرة كأنه : قيل وآتيتم هذا القدر العظيم الذي لا يؤتيه أحد ، وهذا شبيه بقوله صلىاللهعليهوسلم : «من بنى مسجدا لله ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتا في الجنة» ومعلوم أن مسجدا لا يكون كمفحص قطاة ، وإنما هو تمثيل للمبالغة في الصغر. وقد قال صلىاللهعليهوسلم لمن أمهر مأتين وجاء يستعين في مهره وغضب صلىاللهعليهوسلم : «كأنكم تقطعون الذهب والفضة من عرض الحرة» وقال محمد بن عمر الرازي : لا دلالة فيها على المغالاة لأن قوله : وآتيتم لا يدل على جواز إيتاء القنطار ، ولا يلزم من جعل الشيء شرطا لشيء آخر كون ذلك الشرط في نفسه جائز الوقوع كقوله : «من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين» انتهى. ولما كان قوله : وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج ، خطابا لجماعة كان متعلق الاستبدال أزواجا مكان أزواج ، واكتفى بالمفرد عن الجمع لدلالة جمع المستبدلين ، إذ لا يوهم اشتراط المخاطبين في زوج واحدة مكان زوج واحدة ، ولا إرادة معنى الجماع عاد الضمير في قوله : إحداهن
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ١٣٠.