مما يمكن أن يجامع حال الإفضاء ، لأن الإفضاء وهو المباشرة والدنوّ الذي ما بعده دنو ، يقتضي أن لا يؤخذ معه شيء مما أعطاه الزوج ، ثم عطف على الإفضاء أخذ النساء الميثاق الغليظ من الأزواج. والإفضاء : الجماع قاله ، ابن مسعود ، وابن عباس ، ومجاهد ، والسدي. وقال عمر ، وعلي ، وناس من الصحابة ، والكلبي ، والفراء : هي الخلوة والميثاق ، هو قوله تعالى : (فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ) (١) قاله : ابن عباس ، والحسن ، والضحاك ، وابن سيرين ، والسدي ، وقتادة. قال قتادة : وكان يقال للناكح في صدر الإسلام : عليكم لتمسكنّ بمعروف ، أو لتسرحنّ بإحسان. وقال مجاهد وابن زيد : الميثاق كلمة الله التي استحللتم بها فروجهن ، وهي قول الرجل : نكحت وملكت النكاح ونحوه. وقال عكرمة : هو قوله صلىاللهعليهوسلم : «استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عوان عندكم ، أخذتموهن بأمانة الله ، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» وقال قوم : الميثاق الولد ، إذ به تتأكد أسباب الحرمة وتقوى دواعي الألفة. وقيل : ما شرط في العقد من أنّ على كل واحد منهما تقوى الله ، وحسن الصحبة والمعاشرة بالمعروف ، وما جرى مجرى ذلك. وقال الزمخشري : الميثاق الغليظ حق الصحبة والمضاجعة ، كأنه قيل : وأخذن به منكم ميثاقا غليظا ، أي بإفضاء بعضكم إلى بعض. ووصفه بالغلظ لقوته وعظمه ، فقد قالوا : صحبة عشرين يوما قرابة ، فكيف بما يجري بين الزوجين من الاتحاد والامتزاج؟ انتهى كلامه.
(وَلا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا ما قَدْ سَلَفَ) تقدم ذكر شيء من سبب نزول هذه الآية في قوله : (لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً) (٢) وقد ذكروا قصصا مضمونها : أنّ من العرب من كان يتزوج امرأة أبيه ، وسموا جماعة تزوجوا زوجات آبائهم بعد موت آبائهم ، فأنزل الله تحريم ذلك. وتقدّم الخلاف في النكاح : أهو حقيقة في الوطء ، أم في العقد ، أم مشترك؟ قالوا : ولم يأت النكاح بمعنى العقد إلا في (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ) (٣) وهذا الحصر منقوض بقوله : (إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَ) (٤). واختلف في ما من قوله : ما نكح. فالمتبادر إلى الذهن أنها مفعوله ، وأنها واقعه على النوع كهي في قوله تعالى : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ) (٥) أي : ولا تنكحوا النوع الذي نكح آباؤكم. وقد تقرر في علم العربية أنّ ما تقع على أنواع من
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٢٩.
(٢) سورة النساء : ٤ / ١٩.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٢٥.
(٤) سورة الأحزاب : ٣٣ / ٤٩.
(٥) سورة النساء : ٤ / ٣.