من قوله : حرمت عليكم. وكأنه قيل : كتب الله عليكم تحريم ذلك كتابا. ومن جعل ذلك متعلقا بقوله : (فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ مَثْنى وَثُلاثَ وَرُباعَ) (١) كما ذهب إليه عبيدة السلماني ، فقد أبعد وما ذهب إليه الكسائي من أنه يجوز تقديم المفعول في باب الإعراب الظروف والمجرورات مستدلا بهذه الآية ، إذ تقدير ذلك عنده : عليكم كتاب الله أي : الزموا كتاب الله. لا يتم دليله لاحتماله أن يكون مصدرا مؤكدا كما ذكرناه. ويؤكد هذا التأويل قراءة أبي حيوة ومحمد بن السميفع اليماني : كتب الله عليكم ، جعله فعلا ماضيا رافعا ما بعده ، أي : كتب الله عليكم تحريم ذلك. وروي عن ابن السميفع أيضا أنه قرأ : كتب الله عليكم جمعا ورفعا أي : هذه كتب الله عليكم أي : فرائضه ولازماته.
(وَأُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) لما نص على المحرمات في النكاح أخبر تعالى أنه أحل ما سوى من ذكر ، وظاهر ذلك العموم. وبهذا الظاهر استدلت الخوارج ومن وافقهم من الشيعة على جواز نكاح المرأة على عمتها وعلى خالتها ، والجمع بينهما. وقد أطال الاستدلال في ذلك أبو جعفر الطاوسي أحد علماء الشيعة الاثني عشرية في كتابه في التفسير ، وملخص ما قال : أنه لا يعارض القرآن بخبر آحاد. وهو ما روي أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها» بل إذا ورد حديث عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم عرض على القرآن ، فإن وافقه قبل ، وإلا ردّ. وما ذهبوا إليه ليس بصحيح ، لأن الحديث لم يعارض القرآن ، غاية ما فيه أنه تخصيص عموم ، ومعظم العمومات التي جاءت في القرآن لا بد فيها من التخصيصات ، وليس الحديث خبر آحاد بل هو مستفيض ، روي عن جماعة من الصحابة رواه : عليّ ، وابن عباس ، وجابر ، وابن عمر ، وأبو موسى ، وأبو سعيد ، وأبو هريرة ، وعائشة. حتى ذكر بعض العلماء أنه متواتر موجب للعلم والعمل. وذكر ابن عطية : إجماع الأمة على تحريم الجمع ، وكأنه لم يعتد بخلاف من ذكر لشذوذه ، ولا يعدّ هذا التخصيص نسخا للعموم خلافا لبعضهم. وقد خصص بعضهم هذا العموم بالأقارب من غير ذوات المحارم كأنه قيل : وأحلّ لكم ما وراء ذلكم من أقاربكم ، فهي حلال لكم تزويجهن ، وإلى هذا ذهب عطاء والسدي ، وخصه قتادة بالإماء : أي : وأحل لكم ما وراء ذلكم من الإماء. وأبعد عبيدة والسدي في ردّ ذلك إلى مثنى وثلاث ورباع والمعنى : وأحلّ لكم ما دون الخمس أن تبتغوا بأموالكم على وجه النكاح. وقال
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٣.