ويريد للعطف على ما قررناه. وأجاز الراغب أن تكون الواو للحال لا للعطف ، قال : تنبيها على أنه يريد التوبة عليكم في حال ما تريدون أن تميلوا ، فخالف بين الإخبارين في تقديم المخبر عنه في الجملة الأولى ، وتأخيره في الجملة الثانية ، ليبين أنّ الثاني ليس على العطف انتهى. وهذا ليس بجيد ، لأنّ إرادته تعالى التوبة علينا ليست مقيدة بإرادة غيره الميل ، ولأنّ المضارع باشرته الواو ، وذلك لا يجوز ، وقد جاء منه شيء نادر يؤوّل على إضمار مبتدأ قبله ، لا ينبغي أن يحمل القرآن عليه ، لا سيما إذا كان للكلام محمل صحيح فصيح ، فحمله على النادر تعسف لا يجوز.
(يُرِيدُ اللهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ) لم يذكر متعلق التخفيف ، وفي ذلك أقوال : أحدها أن يكون في إباحة نكاح الأمة وغيره من الرخص. الثاني في تكليف النظر وإزالة الحيرة فيما بين لكم مما يجوز لكم من النكاح وما لا يجوز. الثالث : في وضع الإصر المكتوب على من قبلنا ، وبمجيء هذه الملة الحنيفية سهلة سمحة. الرابع : بإيصالكم إلى ثواب ما كلفكم من تحمل التكاليف. الخامس : أن يخفف عنكم إثم ما ترتكبون من المآثم لجهلكم.
وأعربوا هذه الجملة حالا من قوله : والله يريد أن يتوب عليكم ، والعامل في الحال يريد ، التقدير : والله يريد أن يتوب عليكم مريدا أن يخفف عنكم ، وهذا الإعراب ضعيف ، لأنه قد فصل بين العامل والحال بجملة معطوفة على الجملة التي في ضمنها العامل ، وهي جملة أجنبية من العامل والحال ، فلا ينبغي أن تجوز إلا بسماع من العرب. ولأنه رفع الفعل الواقع حالا الاسم الظاهر ، وينبغي أن يرفع ضميره لا ظاهره ، فصار نظير : زيد يخرج يضرب زيد عمرا. والذي سمع من ذلك إنما هو في الجملة الابتدائية ، أو في شيء من نواسخها. أما في جملة الحال فلا أعرف ذلك. وجواز ذلك فيما ورد إنما هو فصيح حيث يراد التفخيم والتعظيم ، فيكون الربط في الجملة الواقعة خبرا بالظاهر. أما جملة الحال أو الصفة فيحتاج الربط بالظاهر فيها إلى سماع من العرب ، والأحسن أن تكون الجملة مستأنفة ، فلا موضع لها من الإعراب. أخبر بها تعالى عن إرادته التخفيف عنا ، كما جاء (يُرِيدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ ، وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) (١).
(وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) قال مجاهد وطاووس وابن زيد : الإخبار عن ضعف
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١٨٥.