جرى مجرى المصدر الذي هو الإجناب انتهى. والذي ذكره هو المشهور في اللغة والفصيح ، وبه جاء القرآن. وقد جمعوه جمع سلامة بالواو والنون قالوا : قوم جنبون ، وجمع تكسير قالوا : قوم أجناب. وأما تثنيته فقالوا : جنبان.
(إِلَّا عابِرِي سَبِيلٍ) العبور : الخطور والجواز ، ومنه ناقة عير الهواجر وعبر أسفار قال :
عيرانه سرح اليدين شمله |
|
عبر الهواجر كالهجف الخاضب |
وعابر السبيل هو المارّ في المسجد من غير لبث فيه ، وهو مذهب الشافعي قال : يمرّ فيه ولا يقعد فيه. وقال الليث : لا يمرّ فيه إلا إن كان بابه إلى المسجد. وقال أحمد وإسحاق : إذا توضأ الجنب فلا بأس به أن يقعد في المسجد. وقال الزمخشري : من فسر الصلاة بالمسجد قال : معناه لا تقربوا المسجد جنبا إلا مجتازين فيه ، إذا كان الطريق فيه إلى الماء ، أو كان الماء فيه ، أو احتلمتم فيه. وقيل : إنّ رجالا من الأنصار كانت أبوابهم في المسجد فتصيبهم الجنابة ولا يجدون ممرّا إلا في المسجد ، فرخص لهم.
وروي أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم : «لم يأذن لأحد أن يجلس في المسجد أو يمرّ فيه وهو جنب ، إلا لعلي. لأن بيته كان في المسجد» وقال عليّ وابن عباس أيضا وابن جبير ومجاهد والحكم وغيرهم : عابر السبيل المسافر ، فلا يصح لأحد أن يقرب الصلاة وهو جنب إلا بعد الاغتسال ، إلا المسافر فإنه يتيمم وهو مذهب أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد ، وزفر ، قالوا : لا يدخل المسجد إلا الطاهر سواء أراد القعود فيه أم الاجتياز ، وهو قول : مالك والثوري وجماعة. ورجح هذا القول بأن قوله : لا تقربوا الصلاة يبقى على ظاهره ، وحقيقته بخلاف تأويل مواضع الصلاة فإنه مجاز ، ولا يعدل إليه إلا بعد تعذر حمل الكلام على حقيقته. وليس في المسجد قول مشروط يمنع من دخوله لتعذره عليه عند السكر ، وفي الصلاة قراءة مشروطة يمنع لأجل تعذر إقامتها من فعل الصلاة. وسمي المسافر عابر سبيل لأنه على الطريق ، كما سمي ابن السبيل.
وأفاد الكلام معنيين : أحدهما : جواز التيمم للجنب إذا لم يجد الماء والصلاة به. والثاني : أن التيمم لا يرفع الجنابة ، لأنه سماه جنبا مع كونه متيمما. وعلى هذا المعنى فسر الزمخشري الآية أولا فقال : إلا عابري سبيل ، الاستثناء من عامة أحوال المخاطبين ، وانتصابه على الحال. (فإن قلت) : كيف جمع بين هذه الحال والتي قبلها؟ (قلت) : كأنه