فليس له أن يفتي ، فإن أفتى فهو عاص وإن كان أميرا جائرا. قيل : ويحمل قول سهل على أنه يترك الفتيا إذا خاف منه على نفسه. وقال ابن خويز منداد : وأما طاعة السلطان فتجب فيما كان فيه طاعة ، ولا تجب فيما كان فيه معصية. قال : ولذلك قلنا : أن أمراء زماننا لا تجوز طاعتهم ، ولا معاونتهم ، ولا تعظيمهم ، ويجب الغزو معهم متى غزوا ، والحكم من قبلهم ، وتولية الإمامة والحسبة ، وإقامة ذلك على وجه الشريعة. فإن صلوا بنا وكانوا فسقة من جهة المعاصي جازت الصلاة معهم ، وإن كانوا مبتدعة لم تجز الصلاة معهم إلا أن يخافوا فتصلى معهم تقية ، وتعاد الصلاة فيما بعد. انتهى.
واستدل بعض أهل العلم على إبطال قول من قال : بإمام معصوم بقوله : وأولي الأمر منكم. فإنّ الأمراء والفقهاء يجوز عليهم الغلط والسهو ، وقد أمرنا بطاعتهم. ومن شرط الإمام العصمة فلا يجوز ذلك عليه ، ولا يجوز أن يكون المراد الإمام لأنه قال في نسق الخطاب : فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ، فلو كان هناك إمام مفروض الطاعة لكان الرد إليه واجبا ، وكان هو يقطع التنازع ، فلما أمر برد المتنازع فيه إلى الكتاب والسنة دون الإمام ، دلّ على بطلان الإمامة. وتأويلهم : أنّ أولي الأمر عليّ رضياللهعنه فاسد ، لأنّ أولي الأمر جمع ، وعليّ واحد. وكان الناس مأمورين بطاعة أولي الأمر في حياة الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وعليّ لم يكن إماما في حياته ، فثبت أنهم كانوا أمراء ، وعلى المولى عليهم طاعتهم ما لم يأمروا بمعصية. فكذلك بعد موتهم في لزوم اتباعهم طاعتهم ما لم تكن معصية. وقال أبو عبد الله الرازي : وأولي الأمر منكم إشارة إلى الإجماع ، والدليل عليه أنه أمر بطاعة أولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ، ومن أمر بطاعته على الجزم والقطع لا بد أن يكون معصوما عن الخطأ ، وإلّا لكان بتقدير إقدامه على الخطأ مأمورا باتباعه ، والخطأ منهى عنه ، فيؤدّي إلى اجتماع الأمر والنهي في فعل واحد باعتبار واحد ، وأنه محال. وليس أحد معصوما بعد الرسول إلا جمع الأمة أهل العقد والحلّ ، وموجب ذلك أنّ إجماع الأمة حجة.
(فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللهِ وَالرَّسُولِ) قال مجاهد ، وقتادة ، والسدي ، والأعمش ، وميمون بن مهران : فردوه إلى كتاب الله ، وسؤال رسول الله صلىاللهعليهوسلم في حياته ، وإلى سنته بعد وفاته. وقال قوم منهم الأصم : معناه قولوا : الله ورسوله أعلم. وقال الزمخشري : فإن اختلفتم أنتم وأولوا الأمر في شيء من أمور الدين فردوه ارجعوا فيه إلى