وقال أبو عبد الله الرازي ما ملخصه : فائدة ضم استغفار الرسول إلى استغفارهم بأنهم بتحاكمهم إلى الطاغوت خالفوا حكم الله ، وأساءوا إلى الرسول صلىاللهعليهوسلم ، فوجب عليهم أن يعتذروا ويطلبوا من الرسول الاستغفار ، أو لمّا لم يرضوا بحكم الرسول ظهر منهم التمرد ، فإذا تابوا وجب أن يظهر منهم ما يزيد التمرد بأن يذهبوا إلى الرسول ويطلبوا منه الاستغفار ، أو إذا تابوا بالتوبة أتوا بها على وجه من الخلل ، فإذا انضم إليها استغفار الرسول صلىاللهعليهوسلم صارت مستحقة. والآية تدل على قبول توبة التائب لأنه قال بعدها : (لَوَجَدُوا اللهَ) (١) وهذا لا ينطبق على ذلك الكلام إلا إذا كان المراد من قوله : (تَوَّاباً رَحِيماً) (٢) قبول توبته انتهى. وروي عن علي كرم الله وجهه أنه قال : قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم بثلاثة أيام فرمى بنفسه على قبره وحثا من ترابه على رأسه ثم قال :
يا خير من دفنت في الترب أعظمه |
|
فطاب من طيبهن القاع والأكم |
نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه |
|
فيه العفاف وفيه الجود والكرم |
ثم قال : قد قلت : يا رسول الله فسمعنا قولك ، ووعيت عن الله فوعينا عنك ، وكان فيما أنزل الله عليك ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك الآية ، وقد ظلمت نفسي وجئت أستغفر الله ذنبي ، فاستغفر لي من ربي ، فنودي من القبر أنه قد غفر لك.
(فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) قال مجاهد وغيره : نزلت فيمن أراد التحاكم إلى الطاغوت. ورجحه الطبري لأنه أشبه بنسف الآيات. وقيل : في شأن الرجل الذي خاصم الزبير في السقي بماء الحرة ، وأن الرسول صلىاللهعليهوسلم قال : «اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك» فغضب وقال : «إن كان ابن عمتك ، فغضب الرسول صلىاللهعليهوسلم واستوعب للزبير حقه فقال : احبس يا زبير الماء حتى يبلغ الجدر ، ثم أرسل الماء». والرجل هو من الأنصار بدري. وقيل : هو حاطب بن أبي بلتعة. وقيل : نزلت نافية لإيمان الرجل الذي قتله عمر ، لكونه رد حكم النبي صلىاللهعليهوسلم ، ومقيمة عذر عمر في قتله ، إذ قال النبي صلىاللهعليهوسلم : «ما كنت أظن أنّ عمر يجترىء على قتل رجل مؤمن». وأقسم بإضافة الرب إلى كاف الخطاب تعظيما للنبي صلىاللهعليهوسلم ، وهو التفات راجع إلى قوله : (جاؤُكَ) (٣) ولا في قوله : فلا. قال الطبري : هي رد على ما تقدم تقديره : فليس الأمر كما يزعمون أنهم آمنوا بما
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٦٤.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٦٤.
(٣) سورة النساء : ٤ / ٦٤.