(وَإِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَ) الخطاب لعسكر رسول الله صلىاللهعليهوسلم. وقال الحسن ، ومجاهد ، وقتادة ، وابن جريج وابن زيد في آخرين : لمن ليبطئن هم المنافقون ، وجعلوا من المؤمنين باعتبار الجنس ، أو النسب ، أو الانتماء إلى الإيمان ظاهرا. وقال الكلبي : نزلت في عبد الله بن أبي وأصحابه. وقيل : هم ضعفة المؤمنين. ويبعد هذا القول قوله : عند مصيبة المؤمنين (قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) (١) وقوله : (كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ مَوَدَّةٌ) (٢) ومثل هذا لا يصدر عن مؤمن ، إنما يصدر عن منافق. واللام في ليبطئن لام قسم محذوف التقدير : للذي والله ليبطئن. والجملتان من القسم وجوابه صلة لمن ، والعائد الضمير المستكن في ليبطئن.
قالوا : وفي هذه الآية رد على من زعم من قدماء النحاة أنه لا يجوز وصل الموصول بالقسم وجوابه إذا كانت جملة القسم قد عريت من ضمير ، فلا يجوز جاءني الذي أقسم بالله لقد قام أبوه ، ولا حجة فيها لأنّ جملة القسم محذوفة ، فاحتمل أن يكون فيها ضمير يعود على الموصول ، واحتمل أن لا يكون. وما كان يحتمل وجهين لا حجة فيه على تعيين أحدهما ، ومثل هذه الآية قوله تعالى : (وَإِنَّ كُلًّا لَمَّا لَيُوَفِّيَنَّهُمْ رَبُّكَ أَعْمالَهُمْ) (٣) في قراءة من نصب كلا وخفف ميم لما أي : وأن كلا للذي ليوفينهم على أحسن التخاريج. وقال ابن عطية : اللام في ليبطئن لام قسم عند الجمهور. وقيل : هي لام تأكيد بعد تأكيد انتهى. وهذا القول الثاني خطأ. وقرأ الجمهور : ليبطئن ، بالتشديد. وقرأ مجاهد : ليبطئن بالتخفيف. والقراءتان يحتمل أن يكون الفعل فيهما لازما ، لأنهم يقولون : أبطأ وبطأ في معنى بطؤ ، ويحتمل أن يكون متعديا بالهمزة أو التضعيف من بطؤ ، فعل اللزوم المعنى أنه يتثاقل ويثبط عن الخروج للجهاد ، وعلى التعدّي يكون قد ثبط غيره وأشار له بالقعود ، وعلى التعدي أكثر المفسرين. (فَإِنْ أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً) المصيبة : الهزيمة. سميت بذلك لما يلحق الإنسان من العتب بتولية الإدبار وعدم الثبات. ومن العرب من يختار الموت على الهزيمة وقد قال الشاعر :
إن كنت صادقة كما حدثتني |
|
فنجوت منجى الحارث بن هشام |
ترك الأحبة أن يقاتل عنهم |
|
ونجا برأس طمره ولجام |
__________________
(١) سورة النساء : ٤ / ٧٢.
(٢) سورة النساء : ٤ / ٧٣.
(٣) سورة هود : ١١ / ١١١.