بددت منها الليالي شملهم |
|
فكأن لما يكونوا قبل ثم |
وينبغي التوقف في جواز ذلك حتى يسمع من لسان العرب. وقال ابن عطية : وكأن مضمنة معنى التشبيه ، ولكنها ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر ، وإنما تجيء بعدها الجمل انتهى. وهذا الذي ذكره غير محرر ، ولا على إطلاقه. أما إذا خففت ووليها ما كان يليها وهي ثقيلة ، فالأكثر والأفصح أن ترتفع تلك الجملة على الابتداء والخبر ، ويكون اسم كان ضمير شأن محذوفا ، وتكون تلك الجملة في موضع رفع خبر كان. وإذا لم ينو ضمير الشأن جاز لها أن تنصب الاسم إذا كان مظهرا ، وترفع الخبر هذا ظاهر كلام سيبويه. ولا يخص ذلك بالشعر ، فتقول : كأن زيدا قائم. قال سيبويه : وحدثنا من يوثق به أنه سمع من العرب من يقول : إن عمر المنطلق وأهل المدينة يقرؤون : وأن كلا لما يخففون وينصبون كما قال : كأن ثدييه حقان ، وذلك لأن الحرف بمنزلة الفعل ، فلما حذف من نفسه شيء لم يغير عمله ، كما لم يغير عمل لم يك ، ولم أبل حين حذف انتهى. فظاهر تشبيه سيبويه أن عمر المنطلق بقوله : كأن ثدييه حقان جواز ذلك في الكلام ، وأنه لا يختص بالشعر.
وقد نقل صاحب رؤوس المسائل : أن كأن إذا خففت لا يجوز إعمالها عند الكوفيين ، وأن البصريين أجازوا ذلك. فعلى مذهب الكوفيين قد يتمشى قول ابن عطية في أنّ كأن المخففة ليست كالثقيلة في الحاجة إلى الاسم والخبر ، وأما على مذهب البصريين فلا ، لأنها عندهم لا بد لها من اسم وخبر.
والجملة من قوله : كأن لم يكن بينكم وبينه مودة اختلف المفسرون فيها ونحن نسرد كلام من وقفنا على كلامه فيها. فنقول : قال الزمخشري : اعتراض بين الفعل الذي هو ليقولن ، وبين مفعوله وهو يا ليتني ، والمعنى : كأن لم يتقدم له معكم مودة ، لأنّ المنافقين كانوا يوادون المؤمنين ويصادقونهم في الظاهر ، وإن كانوا يبغون لهم الغوائل في الباطن. والظاهر أنه تهكم ، لأنهم كانوا أعدى عدوّ للمؤمنين وأشدهم حسدا لهم ، فكيف يوصفون بالمودة إلا على وجه العكس تهكما بحالهم؟ وقال ابن عطية : المنافق يعاطي المؤمنين المودة ، ويعاهد على التزام كلف الإسلام ، ثم يتخلف نفاقا وشكا وكفرا بالله ورسوله ، ثم يتمنى عند ما يكشف الغيب الظفر للمؤمنين. فعلى هذا يجيء قوله تعالى : كأن لم تكن بينكم وبينه مودة ، التفاتة بليغة واعتراضا بين القائل والمقول بلفظ يظهر زيادة في قبح