وتقدّم تفسير هذه : الأيام المعدودات ، في سورة البقرة فأغنى عن إعادته هنا ، إلّا أنه جاء هناك : معدودة ، وهنا : معدودات ، وهما طريقان فصيحان تقول : جبال شامخة ، وجبال شامخات. فتجعل صفة جمع التكسير للمذكر الذي لا يعقل تارة لصفة الواحدة المؤنثة ، وتارة لصفة المؤنثات. فكما تقول : نساء قائمات ، كذلك تقول : جبال راسيات ، وذلك مقيس مطرد فيه.
(وَغَرَّهُمْ فِي دِينِهِمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ) قال مجاهد : الذي افتروه هو قولهم : (لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) وقال قتادة : بقولهم : نحن أبناء الله وأحباؤه. وقيل : (لَنْ ، يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى) (١) وقيل : مجموع هذه الأقوال.
وارتفع : ذلك ، بالابتداء ، و : بأنهم ، هو الخبر ، أي : ذلك الإعراض والتولي كائن لهم وحاصل بسبب هذا القول ، وهو قولهم : إنهم لا تمسهم النار إلّا أياما قلائل ، يحصرها العدد. وقيل : خبر مبتدأ محذوف ، أي : شأنهم ذلك ، أي التولي والإعراض ، قاله الزجاج. وعلى هذا يكون : بأنهم ، في موضع الحال ، أي : مصحوبا بهذا القول ، و : ما في : ما كانوا ، موصولة ، أو مصدرية.
(فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ) هذا تعجيب من حالهم ، واستعظام لعظم مقالتهم حين اختلفت مطامعهم ، وظهر كذب دعواهم ، إذ صاروا إلى عذاب ما لهم حيلة في دفعه ، كما قال تعالى : (تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ) (٢) هذا الكلام يقال عند التعظيم لحال الشيء ، فكيف إذا توفتهم الملائكة؟ وقال الشاعر :
فكيف بنفس ، كلما قلت : أشرفت |
|
على البرء من دهماء ، هيض اندمالها |
وقال :
فكيف؟ وكلّ ليس يعدو حمامه |
|
وما لامرىء عما قضى الله مرحل |
وانتصاب : فكيف ، قيل على الحال ، والتقدير : كيف يصنعون؟ وقدره الحوفي : كيف يكون حالهم؟ فإن أراد كان التامة كانت في موضع نصب على الحال ، وإن كانت الناقصة كانت في موضع نصب على خبر كان ، والأجود أن تكون في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف يدل عليه المعنى : التقدير : كيف حالهم؟ والعامل في : إذا ، ذلك الفعل الذي
__________________
(٢ ـ ١) سورة البقرة : ٢ / ١١١.