(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ الم اللهُ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ) هذه السورة ، سورة آل عمران ، وتسمى : الزهراء ، والأمان ، والكنز ، والمعينة ، والمجادلة ، وسورة الاستغفار وطيبة. وهي : مدنية الآيات ستين ، وسبب نزولها فيما ذكره الجمهور : أنه وفد على رسول الله صلىاللهعليهوسلم وفد نصارى نجران ، وكانوا ستين راكبا ، فيهم أربعة عشر من أشرافهم ، منهم ثلاثة إليهم يؤول أمرهم ، أميرهم : العاقب عبد المسيح ، وصاحب رحلهم : السيد الأيهم ، وعالمهم : أبو حارثة بن علقمة ، أحد بني بكر بن وائل. وذكر من جلالتهم ، وحسن شارتهم وهيئتهم. وأقاموا بالمدينة أياما يناظرون رسول الله صلىاللهعليهوسلم في عيسى ، ويزعمون تارة أنه الله ، وتارة ولد الإله ، وتارة : ثالث ثلاثة. رسول الله صلىاللهعليهوسلم يذكر لهم أشياء من صفات الباري تعالى ، وانتفاءها عن عيسى ، وهم يوافقونه على ذلك ، ثم أبوا إلّا جحودا ، ثم قالوا : يا محمد! ألست تزعم أنه كلمة الله وروح منه؟ قال : «بلى». قالوا : فحسبنا. فأنزل الله فيهم صدر هذه السورة إلى نيف وثمانين آية منها ، إلى أن دعاهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى الابتهال.
وقال مقاتل : نزلت في اليهود المبغضين لعيسى ، القاذفين لأمّه ، المنكرين لما أنزل الله عليه من الإنجيل.
ومناسبة هذه السورة لما قبلها واضحة لأنه ، لما ذكر آخر البقرة (أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ) (١) ناسب أن يذكر نصره تعالى على الكافرين ، حيث ناظرهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، وردّ عليهم بالبراهين الساطعة ، والحجج القاطعة ، فقص تعالى أحوالهم ، وردّ عليهم في اعتقادهم ، وذكر تنزيهه تعالى عما يقولون ، وبداءة خلق مريم وابنها المسيح إلى آخر ما ردّ عليهم ، ولما كان مفتتح آية آخر البقرة (آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ) (٢) فكأن في ذلك الإيمان بالله وبالكتب ، ناسب ذكر أوصاف الله تعالى ، وذكر ما أنزل على رسوله ، وذكر المنزل على غيره صلى الله عليهم.
قرأ السبعة : ألم الله ، بفتح الميم ، وألف الوصل ساقطة. وروى أبو بكر في بعض طرقه ، عن عاصم : سكون الميم ، وقطع الألف. وذكرها الفراء عن عاصم ، ورويت هذه القراءة عن الحسن. وعمرو بن عبيد ، والرؤاسي ، والأعمش ، والبرجمي ، وابن القعقاع : وقفوا على الميم ، كما وقفوا على الألف واللام ، وحقها ذلك ، وأن يبدأ بما بعدها كما تقول : واحد اثنان.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٦ ، الآية الأخيرة.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ٢٨٥.