ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما ذكر ما يجب أن يكون المؤمن عليه من تعظيم الله تعالى والثناء عليه بالأفعال التي يختص بها ، ذكر ما يجب على المؤمن من معاملة الخلق ، وكانت الآيات السابقة في الكفار فنهوا عن موالاتهم وأمروا بالرغبة فيما عنده وعند أوليائه دون أعدائه إذ هو تعالى مالك الملك.
وظاهر الآية تقتضي النهي عن موالاتهم إلّا ما فسح لنا فيه من اتخاذهم عبيدا ، والاستعانة بهم استعانة العزيز بالذليل ، والأرفع بالأوضع ، والنكاح فيهم. فهذا كله ضرب من الموالاة أذن لنا فيه ، ولسنا ممنوعين منه ، فالنهي ليس على عمومه.
(مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) تقدم تفسير : من دون ، في قوله (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ) (١) فأغنى عن إعادته.
و : يتخذ ، هنا متعدية إلى اثنين ، و : من دون ، متعلقة بقوله : لا يتخذ ، و : من ، لابتداء الغاية. قال علي بن عيسى : أي لا تجعلوا ابتداء الولاية من مكان دون مكان المؤمنين.
(وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللهِ فِي شَيْءٍ) ذلك إشارة إلى اتخاذهم أولياء ، وهذا يدل على المبالغة في ترك الموالاة ، إذ نفي عن متوليهم أن يكون في شيء من الله ، وفي الكلام مضاف محذوف أي : فليس من ولاية الله في شيء. وقيل : من دينه. وقيل : من عبادته. وقيل : من حزبه. وخبر : ليس ، هو ما استقلت به الفائدة ، وهي : في شيء ، و : من الله ، في موضع نصب على الحال ، لأنه لو تأخر لكان صفة لشيء ، والتقدير : فليس في شيء من ولاية الله. و : من ، تبعيضية نفي ولاية الله عن من اتخذ عدوه وليا ، لأن الولايتين متنافيتان ، قال :
تود عدوي ثم تزعم أنني |
|
صديقك ، ليس النّوك عنك بعازب |
وتشبيه من شبه الآية ببيت النابغة :
إذا حاولت في أسد فجورا |
|
فإني لست منك ولست مني |
ليس بجيد ، لأن : منك ومني ، خبر ليس ، وتستقل به الفائدة. وفي الآية الخبر قوله : في شيء ، فليس البيت كالآية.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٣.