كلها ، فكان حقها أن تحذر وتتقى ، فلا يجسر أحد على قبيح ، ولا يقصر عن واجب ، فإن ذلك مطلع عليه لا محالة ، فلاحق به العذاب. انتهى. وهو كلام حسن ، وفيه التصريح بإثبات صفة العلم ، والقدرة لله تعالى ، وهو خلاف ما عليه أشياخه من المعتزلة ، وموافقة لأهل السنة في إثبات الصفات.
(يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً) اختلف في العامل في : يوم ، فقال الزجاج : العامل فيه : ويحذركم ، ورجحه. وقال أيضا : العامل فيه : المصير. وقال مكي بن أبي طالب : العامل فيه : قدير ، وقال أيضا : فيه مضمر تقديره اذكر. وقال ابن جرير : تقديره : اتقوا ، ويضعف نصبه بقوله : ويحذركم ، لطول الفصل. هذا من جهة اللفظ ، وأما من جهة المعنى فلأن التحذير موجود ، واليوم موعود ، فلا يصح له العمل فيه ، ويضعف انتصابه : بالمصير ، للفصل بين المصدر ومعموله ، ويضعف نصبه : بقدير ، لأن قدرته على كل شيء لا تختص بيوم دون يوم ، بل هو تعالى متصف بالقدرة دائما. وأما نصبه بإضمار فعل ، فالإضمار على خلاف الأصل.
وقال الزمخشري : (يَوْمَ تَجِدُ) منصوب : بتود ، والضمير في : بينه ، ليوم القيامة ، حين تجد كل نفس خيرها وشرها حاضرين تتمنى لو أن بينها وبين ذلك اليوم وهو له أمدا بعيدا. انتهى هذا التخريج.
والظاهر في بادىء النظر حسنه وترجيحه ، إذ يظهر أنه ليس فيه شيء من مضعفات الأقوال السابقة ، لكن في جواز هذه المسألة ونظائرها خلاف بين النحويين ، وهي : إذا كان الفاعل ضميرا عائدا على شيء اتصل بالمعمول للفعل ، نحو : غلام هند ضربت ، وثوبي أخويك يلبسان ، ومال زيد أخذ ، فذهب الكسائي ، وهشام ، وجمهور البصريين : إلى جواز هذه المسائل. ومنها الآية على تخريج الزمخشري ، لأن الفاعل : بتودّ ، هو ضمير عائد على شيء اتصل بمعمول : تودّ ، وهو : يوم ، لأن : يوم ، مضاف إلى : تجد كل نفس ، والتقدير : يوم وجدان كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تودّ.
وذهب الفراء ، وأبو الحسن الأخفش ، وغيره من البصريين إلى أن هذه المسائل وأمثالها لا تجوز ، لأن هذا المعمول فضلة ، فيجوز الاستغناء عنه ، وعود الضمير على ما اتصل به في هذه المسائل يخرجه عن ذلك ، لأنه يلزم ذكر المعمول ليعود الضمير الفاعل