لم قدم الشكر على الإيمان؟ (قلت) : لأن العاقل ينظر إلى ما عليه من النعمة العظيمة في خلقه وتعريضه للمنافع فيشكر شكرا مبهما ، فإذا انتهى به النظر إلى معرفة المؤمن به المنعم آمن به ، ثم شكر شكرا مفصلا ، فكان الشكر متقدما على الإيمان ، وكان أصل التكليف ومداره. وقال ابن عطية : الشكر على الحقيقة لا يكون إلا مقترنا بالإيمان ، لكنه ذكر الإيمان تأكيدا وتنبيها على جلالة موقعه انتهى. وأبعد من ذهب إلى أنه على التقديم والتأخير أي : إن آمنتم وشكرتم.
(وَكانَ اللهُ شاكِراً عَلِيماً) شاكرا أي : مثيبا موفيا أجوركم. وأتى بصفة الشكر باسم الفاعل بلا مبالغة ليدل على أنه يتقبل ولو أقل شيء من العمل ، وينميه عليما بشكركم وإيمانكم فيجازيكم. وفي قوله : عليما ، تحذير وندب إلى الإخلاص لله تعالى. وقيل : الشكر من الله إدامة النعم على الشاكر.
(لا يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ) قال مجاهد : تضيف رجل قوما فأساؤوا قراه ، فاشتكاهم ، فعوتب ، فنزلت. وقال مقاتل : نال رجل من أبي بكر الصديق رضياللهعنه والرسول عليهالسلام ، حاضر ، فسكت عنه أبو بكر مرارا ثم رد عليه ، فقام الرسول صلىاللهعليهوسلم فقال أبو بكر : يا رسول الله شتمني فلم تقل شيئا ، حتى إذا رددت عليه قمت ، فقال : «إن ملكا كان يجيب عنك ، فلما رددت عليه ذهب وجاء الشيطان» فنزلت. ومناسبة هذه الآية لما قبلها هي أنه تعالى لما ذكر من أحوال المنافقين وذمهم وإظهار فضائحهم ما ذكر ، وبين ظلمهم واهتضامهم جانب المؤمنين ، سوّغ هنا للمؤمنين أن يذكروهم بما فيهم من الأوصاف الذميمة. وقال عليهالسلام : «اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره الناس». وقرأ الجمهور : إلا من ظلم مبنيا للمفعول. وقال ابن عباس وغيره : إلا من ظلم ، فإنّ له أن يدعو على من ظلمه ، وكان ذلك رخصة من الله له ، وإن صبر فهو خير له. وقال الحسن : لا يدعو عليه ، ولكن ليقل : اللهم أعني عليه ، اللهم استخرج حقي ، اللهم حل بينه وبين ما يريد من ظلمي. وقال ابن جريج : يجازيه بمثل فعله ، ولا يزيد عليه. وقيل : هو أن يبدأ بالشتم فيردّ على من شتمه ، وتقدم قول مجاهد أنها في الضيف يشكو سوء صنيع المضيف معه ، ونسب إلى الظلم لأنه مخالف للشرع والمروءة. وقال المنير : معناه إلا من أكره على أن يجهر بالسوء كفرا ونحوه فذلك مباح ، والآية في الإكراه ، وهذا الاستثناء متصل على تقدير حذف مضاف أي : الأجهر من ظلم. وقيل : الاستثناء منقطع والتقدير : لكنّ المظلوم له أن ينتصف من ظالمه بما يوازى ظلامته قاله : السدي ، والحسن ، وغيرهما. وبالسوء