والأوّل أظهر ، لأنه قد صرح في قصة العجل بالتوبة. ويعني : بما امتحنهم به من القتل لأنفسهم ، ثم وقع العفو عن الباقين منهم.
(وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) أي : حجة وتسلطا واستيلاء ظاهرا عليهم حين أمرهم بأن يقتلوا أنفسهم حتى يتاب عليهم فأطاعوه ، واحتبوا بأفنيتهم ، والسيوف تتساقط عليهم ، فياله من سلطان مبين.
(وَرَفَعْنا فَوْقَهُمُ الطُّورَ بِمِيثاقِهِمْ) تقدّم ما المعنى بالطور. وفي الشام جبل عرف بالطور ولزمه هذا الاسم ، وهو طور سيناء. وليس هو المرفوع على بني إسرائيل ، لأن رفع الجبل كان فيما يلي التيه من جهة ديار مصر وهم ناهضون مع موسى عليهالسلام ، وتقدمت قصة رفع الطور في البقرة. والباء في بميثاقهم للسبب ، وهو العهد الذي أخذه موسى عليهم بعد تصديقهم بالتوراة أن يعملوا بما فيها ، فنقضوا ميثاقهم وعدبوا العجل ، فرفع الله عليهم الطور. وفي كلام محذوف تقديره : بنقض ميثاقهم.
(وَقُلْنا لَهُمُ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً) تقدّم تفسير هذه الجملة في البقرة.
(وَقُلْنا لَهُمْ لا تَعْدُوا فِي السَّبْتِ) تقدّم ذكره عند اعتدائهم في قوله : (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ) (١). وقرأ ورش لا تعدوا بفتح العين وتشديد الدال ، على أنّ الأصل لا تعتدوا ، فألقيت حركة التاء على العين ، وأدغمت التاء في الدال. وقرأ قالون : بإخفاء حركة العين وتشديد الدال ، والنص بالإسكان. وأصله أيضا لا تعتدوا. وقرأ الباقون من السبعة : لا تعدوا بإسكان العين وتخفيف الدال من عدى يعدو. وقال تعالى : (إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ) (٢) وقرأ الأعمش والأخفش : لا تعتدوا من اعتدى.
(وَأَخَذْنا مِنْهُمْ مِيثاقاً غَلِيظاً) قيل : هو الميثاق الأول في قوله : (بِمِيثاقِهِمْ) (٣) ووصف بالغلظ للتأكيد ، وهو المأخوذ على لسان موسى وهارون أن يأخذوا التوراة بقوة ، ويعملوا بجميع ما فيها ، ويوصلوه إلى أبنائهم. وقيل : هذا الميثاق غير الأوّل ، وهو الميثاق الثاني الذي أخذ على أنبيائهم بالتصديق بمحمد صلىاللهعليهوسلم والإيمان به ، وهو المذكور في قوله : (وَإِذْ أَخَذَ اللهُ مِيثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتابٍ) (٤) الآية.
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٦٥.
(٢) سورة الأعراف : ٧ / ١٦٣.
(٣) سورة النساء : ٤ / ١٥٤.
(٤) سورة آل عمران : ٣ / ٨١.