انتهى. وقال غيره : عزيزا أي قويا بالنقمة من اليهود ، فسلط عليهم بطرس الرومي فقتل منهم مقتلة عظيمة. حكيما حكم عليهم باللعنة والغضب. وقيل : عزيزا أي : لا يغالب ، لأن اليهود حاولت بعيسى عليهالسلام أمرا وأراد الله خلافه. حكيما أي : واضع الأشياء مواضعها. فمن حكمته تخليصه من اليهود ، ورفعه إلى السماء لما يريد وتقتضيه حكمته تعالى. وقال وهب بن منبه : أوحى الله تعالى إلى عيسى على رأس ثلاثين سنة ، ثم رفعه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة ، فكانت نبوته ثلاث سنين. وقيل : بعث الله جبريل عليهالسلام فأدخله خوخة فيها روزنة في سقفها ، فرفعه الله تعالى إلى السماء من تلك الروزنة.
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) إن هنا نافية ، والمخبر عنه محذوف قامت صفته مقامه ، التقدير : وما أحد من أهل الكتاب. كما حذف في قوله : (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وارِدُها) (١) والمعنى : وما من اليهود. وقوله : (وَما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ) (٢) أي : وما أحد منا إلا له مقام ، وما أحد منكم إلا واردها. قال الزجاج : وحذف أحد لأنه مطلوب في كل نفي يدخله الاستثناء نحو : ما قام إلا زيد ، معناه ما قام أحد إلا زيد. وقال الزمخشري : ليؤمنن به جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف تقديره : وإن من أهل الكتاب أحد إلا ليؤمنن به ونحوه : وما منا إلا له مقام معلوم ، وإن منكم إلا واردها. والمعنى : وما من اليهود أحد إلا ليؤمنن به انتهى.
وهو غلط فاحش إذ زعم أنّ ليؤمنن به جملة قسمية واقعة صفة لموصوف محذوف إلى آخره ، وصفة أحد المحذوف إنما هو الجار والمجرور وهو من أهل الكتاب ، والتقدير كما ذكرناه : وإن أحد من أهل الكتاب. وأما قوله : ليؤمنن به ، فليست صفة لموصوف ، ولا هي جملة قسمية كما زعم ، إنما هي جملة جواب القسم ، والقسم محذوف ، والقسم وجوابه في موضع رفع خبر المبتدأ الذي هو أحد المحذوف ، إذ لا ينتظم من أحد. والمجرور إسناد لأنه لا يفيد ، وإنما ينتظم الإسناد بالجملة القسمية وجوابها ، فذلك هو محط الفائدة. وكذلك أيضا الخبر هو إلا له مقام ، وكذلك إلا واردها ، إذ لا ينتظم مما قبل إلا تركيب إسنادي. والظاهر أن الضميرين في : به ، وموته ، عائدان أنّ على عيسى وهو سياق الكلام ، والمعنى : من أهل الكتاب الذين يكونون في زمان نزوله.
__________________
(١) سورة مريم : ١٩ / ٧١.
(٢) سورة الصافات : ٣٧ / ١٦٤.