(وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) هذا إخبار بأن الله شرف موسى بكلامه ، وأكد بالمصدر دلالة على وقوع الفعل على حقيقته لا على مجازه ، هذا هو الغالب. وقد جاء التأكيد بالمصدر في المجاز ، إلا أنه قليل. فمن ذلك قول هند بنت النعمان بن بشير الأنصاري :
بكى الخز من عوف وأنكر جلده |
|
وعجت عجيجا من جذام المطارف |
وقال ثعلب : لولا التأكيد بالمصدر لجاز أن تقول : قد كلمت لك فلانا بمعنى كتبت إليه رقعة وبعثت إليه رسولا ، فلما قال : تكليما لم يكن إلا كلاما مسموعا من الله تعالى. ومسألة الكلام مما طال فيه الكلام واختلف فيها علماء الإسلام ، وبهذه المسألة سمي علم أصول الدين بعلم الكلام ، وهي مسألة يبحث عنها في أصول الدين. وقرأ ابراهيم بن وثاب : وكلم الله بالنصب على أن موسى هو المكلم. ومن بدع التفاسير أنه من الكلم ، وأنّ معناه : وجرح الله موسى بأظفار المحن ومخالب الفتن. وقال كعب : كلم الله موسى بالألسنة كلها ، فجعل موسى يقول : رب لا أفهم ، حتى كلمه بلسان موسى آخر الألسنة.
(رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) أي يبشرون بالجنة من أطاع ، وينذرون بالنار من عصى. وأراد تعالى أن يقطع بالرسل احتجاج من يقول : لو بعث إلي رسول لآمنت. وفي الحديث : «وليس أحد أحب إليه العذر من الله» فمن أجل ذلك أنزل الكتب وأرسل الرسل. وقال الزمخشري : (فإن قلت) : كيف يكون للناس على الله حجة قبل الرسل وهم محجوجون بما نصبه الله تعالى من الأدلة التي النظر فيها موصل إلى المعرفة ، والرسل في أنفسهم لم يتوصلوا إلى المعرفة إلا بالنظر في تلك الأدلة ، ولا عرفوا أنهم رسل الله إلا بالنظر فيها؟ (قلت) : الرسل منهيون عن الغفلة ، وباعثون على النظر كما ترى علماء العدل والتوحيد ، مع تبليغ ما حملوه من تفصيل أمور الدين ، وبيان أحوال التكليف وتعلم الشرائع ، فكان إرسالهم إزاحة للعلة وتتميما لإلزام الحجة لئلا يقولوا : لولا أرسلت إلينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة وينبهنا لما وجب الانتباه له انتهى. وقوله : لئلا هو كالتعليل لحالتي : التبشير والإنذار. والتبشير هو بالجنة ، والإنذار هو بالنار. وليس الثواب والعقاب حاكما بوجوبهما العقل ، وإنما هو مجوّز لهما ، وجاء السمع فصارا واجبا وقوعهما ، ولم يستفد وجوبهما إلا من البشارة والنذارة. فلو لم يبشر الرسل بالجنة لمن امتثل التكاليف الشرعية ، ولم ينذروا بالنار من لم يمتثل ، وكانت تقع المخالفة المترتب عليها العقاب بما لا شعور للمكلف بها من حيث أن الله لا يبعث إليه من يعلمه بأنّ