وقد تقدم كلامنا مشبعا في إنما في قوله : (إِنَّما نَحْنُ مُصْلِحُونَ) (١) وكلام ابن عطية فيها هنا أنها لا تقتضي بوضعها الحصر صحيح ، وإن كان خلاف ما في أذهان كثير من الناس.
(سُبْحانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) معناه تنزيها له وتعظيما من أن يكون له ولد كما تزعم النصارى في أمره ، إذ قد نقلوا أبوة الحنان والرأفة إلى أبوة النسل. وقرأ الحسن : إن يكون له ولد بكسر الهمزة وضم النون من يكون ، على أنّ أن نافية أي : ما يكون له ولد فيكون التنزيه عن التثليث ، والإخبار بانتفاء الولد ، فالكلام جملتان ، وفي قراءة الجماعة جملة واحدة.
(لَهُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) إخبار لملكه بجميع من فيهن ، فيستغرق ملكه عيسى وغيره. ومن كان ملكا لا يكون جزءا من المالك على أن الجزئية لا تصحّ إلا في الجسم ، والله تعالى منزه عن الجسم والعرض.
(وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي كافيا في تدبير مخلوقاته وحفظها ، فلا حاجة إلى صاحبة ولا ولد ولا معين. وقيل : معناه كفيلا لأوليائه. وقيل : المعنى يكل الخلق إليه أمورهم ، فهو الغني عنهم ، وهم الفقراء إليه.
(لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلَا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) روي أنّ «وفد نجران قالوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم : لم تعيب صاحبنا؟ قال : وما صاحبكم؟ قالوا : عيسى قال : وأي شيء أقول؟ قالوا : تقول إنه عبد الله ورسوله قال : إنه ليس بعار أن يكون عبدا قالوا : بلى». فنزلت أي لا يستنكف عيسى من ذلك فلا تستنكفوا له منه ، فلو كان موضع استنكاف لكان هو أولى بأن يستنكف لأن العار ألصق به ، أي : لن يأنف ويرتفع ويتعاظم.
وقرأ على عبيد الله على التصغير. والمقربون أي : الكروبيون الذين هم حول العرش كجبريل ، وميكائيل ، وإسرافيل ، ومن في طبقتهم قاله الزمخشري. وقال ابن عباس : هم حملة العرش. وقال الضحاك : من قرب منهم من السماء السابعة انتهى. وعطفوا على عيسى لأن من الكفار من يعبد الملائكة. وفي الكلام حذف التقدير : ولا الملائكة المقربون أن يكونوا عبيد الله ، فإن ضمن عبدا معنى ملكا لله لم يحتج إلى هذا التقدير ، ويكون إذ ذاك ولا الملائكة من باب عطف المفردات ، بخلاف ما إذا لحظ في عبد الوحدة. فإن
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١.