المستنكف إذا كان داخلا في جملة التنكيل به ، فكأنه قيل : ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيعذب بالحشر إذا رأى أجور العاملين ، وبما يصيبه من عذاب الله تعالى.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) الجمهور على أنّ البرهان هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، وسماه برهانا لأنّ منه البرهان ، وهو المعجزة. وقال مجاهد : البرهان هنا الحجة. وقيل : البرهان الإسلام ، والنور المبين هو القرآن.
(فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِراطاً مُسْتَقِيماً) الظاهر أنّ الضمير في به عائد على الله لقربه وصحة المعنى ، ولقوله : واعتصموا بالله وأخلصوا دينهم لله. ويحتمل أن يعود على القرآن الذي عبر عنه بقوله : وأنزلنا إليكم نورا مبينا وفي الحديث : «القرآن حبل الله المتين من تمسك به عصم» والرحمة والفضل : الجنة. وقال الزمخشري : في رحمة منه وفضل في ثواب مستحق وتفضل انتهى. ولفظ مستحق من ألفاظ المعتزلة. وقيل : الرحمة زيادة ترقية ، ورفع درجات. وقيل : الرحمة التوفيق ، والفضل القبول. والضمير في إليه عائد على الفضل ، وهي هداية طريق الجنان كما قال تعالى : (سَيَهْدِيهِمْ وَيُصْلِحُ بالَهُمْ وَيُدْخِلُهُمُ) (١) لأن هداية الإرشاد قد تقدّمت وتحصلت حين آمنوا بالله واعتصموا ، وعلى هذا الصراط طريق الجنة. وقال الزمخشري : ويهديهم إلى عبادته ، فجعل الضمير عائدا على الله تعالى وذلك على حذف مضاف وهذا هو الظاهر ، لأنه المحدث عنه ، وفي رحمة منه وفضل ليس محدثا عنهما. قال أبو علي : هي راجعة إلى ما تقدم من اسم الله تعالى ، والمعنى : ويهديهم إلى صراطه ، فإذا جعلنا صراطا مستقيما نصبا على الحال كانت الحال من هذا المحذوف انتهى. ويعني : دين الإسلام. وقيل : الهاء عائدة على الرحمة والفضل لأنهما في معنى الثواب. وقيل : هي عائدة على القرآن. وقيل : معنى صراطا مستقيما عملا صالحا.
(يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ) قال البراء بن عازب : هي آخر آية نزلت. وقال كثير من الصحابة ، من آخر ما نزل. وقال جابر بن عبد الله : نزلت بسبب عادني النبي صلىاللهعليهوسلم وأنا مريض فقلت : يا رسول الله كيف أقضي في مالي وكان لي تسع أخوات ولم يكن لي ولد ولا والد؟ فنزلت. وقيل : إنّ جابرا أتاه في طريق مكة عام حجة الوداع فقال : إن لي أختا ، فكم آخذ من ميراثها إن ماتت ، فنزلت. وتقدّم الكلام في لفظ الكلالة اشتقاقا
__________________
(١) سورة محمد : ٤٧ / ٥ ـ ٦.