الجمهور ، والزمخشري ، وابن عطية وغيرهما : هو الضمير المجرور في أحلّ لكم. وقال بعضهم : هو الفاعل المحذوف من أجل القائم مقامه المفعول به ، وهو الله تعالى. وقال بعضهم : هو ضمير المجرور في عليكم. ونقل القرطبي عن البصريين أن قوله : إلا ما يتلى عليكم ، هو استثناء من بهيمة الأنعام. وأنّ قوله : غير محلي الصيد ، استثناء آخر منه. فالاستثناءان معناهما من بهيمة الأنعام ، وفي المستثنى منه والتقدير : إلا ما يتلى عليكم إلا الصيد وأنتم محرمون ، بخلاف قوله : (إِنَّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ) (١) على ما يأتي بيانه وهو قول مستثنى مما يليه من الاستثناء. قال : ولو كان كذلك لوجب إباحة الصيد في الإحرام ، لأنه مستثنى من المحظور إذا كان إلا ما يتلى عليكم مستثنى من الإباحة ، وهذا وجه ساقط ، فإذا معناه : أحلت لكم بهيمة الأنعام غير محلي الصيد وأنتم حرم إلا ما يتلى عليكم سوى الصيد انتهى. وقال ابن عطية : وقد خلط الناس في هذا الموضع في نصب غير ، وقدروا تقديمات وتأخيرات ، وذلك كله غير مرضي ، لأن الكلام على اطراده متمكن استثناء بعد استثناء انتهى كلامه. وهو أيضا ممن خلط على ما سنوضحه.
فأمّا قول الأخفش : ففيه الفصل بين ذي الحال والحال بجملة اعتراضية ، بل هي منشئة أحكاما ، وذلك لا يجوز. وفيه تقييد الإيفاء بالعقود بانتفاء إحلال الموفين الصيد وهم حرم ، وهم مأمورون بإيفاء العقود بغير قيد ، ويصير التقدير : أوفوا بالعقود في حال انتفاء كونكم محلين الصيد وأنتم حرم ، وهم قد أحلت لهم بهيمة الأنعام أنفسها. وإن أريد به الظباء وبقر الوحش وحمره فيكون المعنى : وأحل لكم هذه في حال انتفاء كونكم محلين الصيد وأنتم حرم ، وهذا تركيب قلق معقد ، ينزه القرآن أن يأتي فيه مثل هذا. ولو أريد بالآية هذا المعنى لجاء على أفصح تركيب وأحسنه. وأما قول : من جعله حالا من الفاعل. وقدّره : وأحل الله لكم بهيمة الأنعام غير محل لكم الصيد وأنتم حرم ، قال كما تقول : أحللت لك كذا غير مبيحه لك يوم الجمعة ، فهو فاسد. لأنهم نصوا على أنّ الفاعل المحذوف في مثل هذا التركيب يصير نسيا منسيا ، ولا يجوز وقوع الحال منه. لو قلت : أنزل المطر للناس مجيبا لدعائهم ، إذ الأصل أنزل الله المطر مجيبا لدعائهم لم يجز ، وخصوصا على مذهب الكوفيين ومن وافقهم من البصريين ، لأن صيغة الفعل المبني للمفعول صيغة وضعت أصلا كما وضعت صيغته مبنيا للفاعل ، وليست مغيرة من صيغة
__________________
(١) سورة الحجر : ١٥ / ٥٨.