ويقوي قول الشافعي : أن المعنى المستلذات ، ويضعف أن المعنى : قل أحل لكم المحللات ، ويدل عليه قوله : (وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ) (١) كالخنافس والوزع وغيرهما. والطيب في لسان العرب يستعمل للحلال وللمستلذ ، وتقدم الكلام على ذلك في البقرة. والمعتبر في الاستلذاذ والاستطابة أهل المروءة والأخلاق الجميلة ، كان بعض الناس يستطيب أكل جميع الحيوانات. وهذه الجملة جاءت فعلية ، فهي جواب لما سألوا عنه في المعنى لا على اللفظ ، لأن الجملة السابقة وهي : ماذا أحل لهم اسمية ، وهذه فعلية.
(وَما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ) ظاهر علمتم يخالف ظاهر استئناف مكلبين ، فغلّب الضحاك والسدي وابن جبير وعطاء ظاهر لفظ مكلبين فقالوا : الجوارح هي الكلاب خاصة. وكان ابن عمر يقول : إنما يصطاد بالكلاب. وقال هو وأبو جعفر : ما صيد بغيرها من باز وصقر ونحوهما فلا يحل ، إلا أن تدرك ذكاته فتذكيه. وجوز قوم البزاة ، فجوزوا صيدها لحديث عدي بن حاتم. وغلب الجمهور ظاهر : وما علمتم ، وقالوا : معنى مكلبين مؤدبين ومضرين ومعودين ، وعمموا الجوارح في كواسر البهائم والطير مما يقبل التعليم. وأقصى غاية التعليم أن يشلي فيستشلي ، ويدعى فيجيب ، ويزجر بعد الظفر فينزجر ، ويمتنع من أن يأكل من الصيد. وفائدة هذه الحال وإن كانت مؤكدة لقوله : علمتم ، فكان يستغنى عنها أن يكون المعلم مؤتمرا بالتعليم حاذقا فيه موصوفا به ، واشتقت هذه الحال من الكلب وإن كانت جاءت غاية في الجوارح على سبيل التغليب ، لأن التأديب أكثر ما يكون في الكلاب ، فاشتقت من لفظه لكثرة ذلك في جنسه.
قال أبو سليمان الدمشقي : وإنما قيل مكلبين ، لأن الغالب من صيدهم أن يكون بالكلاب انتهى. واشتقت من الكلب وهي الضراوة يقال : هو كلب بكذا إذا كان ضاريا به. قال الزمخشري : أو لأن السبع يسمى كلبا ، ومنه قوله عليهالسلام : «اللهم سلط عليه كلبا من كلابك» فأكله الأسد ، ولا يصح هذا الاشتقاق ، لأنّ كون الأسد كلبا هو وصف فيه ، والتكليب من صفة المعلم ، والجوارح هي سباع بنفسها لا بجعل المعلم. وظاهر قوله : وما علمتم ، أنه خطاب للمؤمنين. فلو كان المعلم يهوديا أو نصرانيا فكره الصيد به الحسن ، أو مجوسيا فكره الصيد به : جابر بن عبد الله ، والحسن ، وعطاء ، ومجاهد ، والنخعي ،
__________________
(١) سورة الأعراف : ٧ / ١٥٧.