أخذهم وقتلهم على وجود ثلاثة أشياء : نفي الاعتزال ، ونفي إلقاء السلم ، ونفي كف الأذى. كل ذلك على سبيل التوكيد في حقهم والتشديد.
(وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً) أي على أخذهم وقتلهم حجة واضحة ، وذلك لظهور عداوتهم ، وانكشاف حالهم في الكفر والغدر ، وإضرارهم بأهل الإسلام ، أو حجة ظاهرة حيث أذنا لكم في قتلهم. قال عكرمة : حيثما وقع السلطان في كتاب الله فالمراد به الحجة.
(وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً) روي أن عياش بن أبي ربيعة وكان أخا أبي جهل لأمه ، أسلم وهاجر خوفا من قومه إلى المدينة وذلك قبل هجرة رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأقسمت أمه لا تأكل ولا تشرب ولا يأويها سقف حتى يرجع ، فخرج أبو جهل ومعه الحرث بن زيد بن أبي أنيسة فأتياه وهو في أطم ، ففتك منه أبو جهل في الزرود والغارب وقال : أليس محمد يحثك على صلة الرحم؟ انصرف وبرّ أمك وأنت على دينك ، حتى نزل وذهب معهما ، فلما أبعدا عن المدينة كتفاه وجلده كل واحد مائة جلدة ، فقال للحرث : هذا أخي ، فمن أنت يا حرث الله؟ عليّ إن وجدتك خاليا أن أقتلك. وقدما به على أمه فحلفت لا تحلّ كتافه أو يرتد ، ففعل. ثم هاجر بعد ذلك ، وأسلم الحرث ، وهاجر فلقيه عياش بظهر قبا ولم يشعر بإسلامه ، فأنحى عليه فقتله ، ثم أخبر بإسلامه ، فأتى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : قتلته ولم أشعر بإسلامه ، فنزلت. وقيل : نزلت في رجل كان يرعى غنما فقتله في بعض السرايا أبو الدرداء وهو يتشهد وساق غنمه ، فعنفه رسول الله صلىاللهعليهوسلم فنزلت. وقيل : نزلت في أبي حذيفة بن اليمان حين قتل يوم أحد خطأ. وقيل غير ذلك انتهى.
ومناسبة هذه الآية لما قبلها : أنه تعالى لما رغب في مقاتلة الكفار ، ذكر بعد ذلك ما يتعلق بالمحاربة ، ومنها أن يظن رجلا حربيا وهو مسلم فيقتله. وهذا التركيب تقدم نظيره في قوله : (ما كانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوها إِلَّا خائِفِينَ) (١) وفي قوله : (وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَ) (٢) وكان يغني الكلام هناك عن الكلام هنا ، ولكن رأينا جمع ما قاله من وقفنا على كلامه من المفسرين هنا.
قال الزمخشري : ما كان لمؤمن : ما صح له ، ولا استقام ، ولا لاق بحاله ، كقوله :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ١١٤.
(٢) سورة آل عمران : ٣ / ١٦١.