(وَطَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) أي : ذبائحكم وهذه رخصة للمسلمين لا لأهل الكتاب. لما كان الأمر يقتضي أن شيئا شرعت لنا فيه التذكية ، ينبغي لنا أن نحميه منهم ، فرخص لنا في ذلك رفعا للمشقة بحسب التجاوز ، فلا علينا بأس أن نطعمهم ولو كان حراما عليهم طعام المؤمنين ، لما ساغ للمؤمنين إطعامهم. وصار المعنى : أنه أحل لكم أكل طعامهم ، وأحل لكم أن تطعموهم من طعامكم ، والحل الحلال ويقال في الاتباع هذا حل بل.
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ) هذا معطوف على قوله : وطعام الذين أوتوا الكتاب. والمعنى : وأحل لكم نكاح المحصنات من المؤمنات.
(وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) والإحصان أن يكون بالإسلام وبالتزويج ، ويمتنعان هنا ، وبالحرية وبالعفة. فقال عمر بن الخطاب ، ومجاهد ، ومالك ، وجماعة : الإحصان هنا الحريّة ، فلا يجوز نكاح الأمة الكتابية. وقال جماعة : منهم مجاهد ، والشعبي ، وأبو ميسرة ، وسفيان ، الإحصان هنا العفة ، فيجوز نكاح الأمة الكتابية. ومنع بعض العلماء من نكاح غير العفيفة بهذا المفهوم الثاني. قال الحسن : إذا اطلع الإنسان من امرأته على فاحشة فليفارقها. وعن مجاهد : يحرم البغايا من المؤمنات ومن أهل الكتاب. وقال الشعبي إحصان اليهودية والنصرانية أن لا تزني ، وأن تغتسل من الجنابة. وقال عطاء : رخص في التزويج بالكتابية ، لأنه كان في المسلمات قلة ، فأما الآن ففيهنّ الكثرة ، فزالت الحاجة إليهن. والرخصة في تزويجهن ولا خلاف بين السلف وفقهاء الأمصار في إباحة نكاح الحرائر الكتابيات ، واتفق على ذلك الصحابة إلا شيئا روي عن ابن عمر أنه سأله رجل عن ذلك فقال : اقرأ آية التحليل يشير إلى هذه الآية ، وآية التحريم يشير إلى (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ) (١) وقد تقدم ذلك في سورة البقرة في قوله : (وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتَّى يُؤْمِنَ).
وتزوج عثمان بن عفان رضياللهعنه نايلة بنت الفرافصة الكلبية على نسائه ، وتزوج طلحة بن عبد الله يهودية من الشام ، وتزوج حذيفة يهودية. (فإن قلت) : يكون ثم محذوف أي : والمحصنات اللاتي كن كتابيات فأسلمن ، ويكون قد وصفهن بأنهن من الذين أوتوا الكتاب باعتبار ما كن عليه كما قال : (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللهِ) (٢). وقال :
__________________
(١) سورة البقرة : ٢ / ٢٢١.
(٢) سورة البقرة : ٢ / ١٩٩.